مبدأ عدم رجعية القوانين الضريبيةوتطبيقه في العراق

Abstract

تثير مسـألة تنازع القوانين من حيث الزمان مشاكل جمة وصعوبات كبيرة لاسيما بالنسبة للأعمال والتصرفات القانونية التي نشأت في ظل القانون القديم ولكن آثارها استمرت وربت في ظل القانون الجديد .وأصبح من البديهي القول ان الدول عادة ما تقيم نظامها القانوني على أساس رصين ومبدأ قويم يتمثل في سريان أحكام القانون أياً كان فرعه والمجال الذي ينظمه بأثر مباشر لا يقبل الرجعة وليس فيه خطاب لما جرى من أعمال قانونية نشأت وانقضى نحبها في الماضي .وليس من المستغرب أن نجد مثل هذا المبدأ يحكم القانون الضريبي الذي فيه من الأحوال والاعتبارات ما يجعل تطبيقه عليه ينال الأولوية والأسبقية.
فمن جهة يكاد ينعقد الاتفاق فقها وقضاء وقانونا على أن أحكام القانون الضريبي تتناول اقتطاع جزء من أموال الشخص وتوريدها إلى الخزينة العامة بدون مقابل. وهذا الاقتطاع يمر عادة بمراحل عديدة تبدأ بتحقق الوعاء الخاضع للضريبة وتحديد مقداره ثم تحديد مقدار الضريبة وأخيراً اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحصيلها.ومن المسلم به أن إتمام كل هذه المراحل قد يتطلب ،في كثير من الضرائب، فترة زمنية ليست بالقصيرة مما يعني انه ليس بالضرورة أن تحدث جميعا في ظل قانون ضريبي واحد ،بل قد يتحقق بعضها في ظل القانون الضريبي القديم بينما لا يكتمل البعض الآخر ولا ينجز إلا في ظل القانون الجديد وهذا ما يفتح باب التساؤل والاجتهاد في الوقت ذاته حول أي قانون واجب التطبيق القديم أم الجديد .وإذا كان الأخير، ألا يصطدم ذلك مع مبدأ عدم الرجعية .
ومن جهة أخرى لا تجتمع أحكام القانون الضريبي في مدونة واحدة على غرار القانون المدني أو التجاري أو الجنائي بل نجدها مبعثرة في قوانين متعددة بحسب الوعاء الذي تنظم آلية فرض الضريبة عليه، كقانون ضريبة الدخل وقانون ضريبة العقار وقانون ضريبة الكمارك وغير ذلك من الضرائب، لا بل أن بعض الضرائب تسمى خطأًً من قبل الكثير من المشرعين بالرسوم كرسوم الإنتاج في العراق. وهذا يقتضي من مطبق القانون سواء أكان الإدارة الضريبية أم القاضي الضريبي التحري بدقة تامة عن الأساس الذي يعتمد في تحديد سريان كل قانون أو وقت نفاذه أو خصوصية هذا النفاذ، لكي لا يكون لإحكامه من اثر على ما تم من وقائع سبقت نفاذه.ولا بد أن نتساءل بعد كل ما قلناه هل أن هذه الأولوية في الأخذ بمبدأ عدم رجعية القانون الضريبي كانت محل اعتبار واهتمام لدى مشرعي الدساتير والقوانين العادية؟وهل كان للقضاء دور في تحديد معالم هذا المبدأ وأسس انطباقه وضوابط إعمال أحكامه؟ وكيف تناول النظام القانوني في العراق هذا المبدأ وهل أجرى عليه القواعد العامة التي تحكم بقية الميادين القانونية أم أسبغ عليه خصوصية معينة؟
كل ذلك سوف نبيّنه في هذا البحث الذي سنتناوله في ستة مباحث يبين الأول تحديد مبدأ عدم رجعية القوانين الضريبية ومبرراته ،بينما يوضح الثاني مدى التزام المشرع بهذا المبدأ، في حين يتناول الثالث مدى مراقبة القضاء لتطبيق المبدأ المذكور ويختص الرابع ببحث الأساس الذي يعتمد في تحديد الأحوال التي يطبق فيها القانون بأثر مباشر وليس رجعي ويبين الخامس الآثار المترتبة على مبدأ عدم رجعية القوانين الضريبية، وأخيرا يبحث السادس في تطبيق المبدأ المذكور في العراق.