تركيا والولايات المتحدة الأمريكية: دراسة في علاقاتهما الاستراتيجية بعد الحرب الباردة1991 - 2000

Abstract

إن البحث في العلاقات الدولية يكشف عن أن الدول في المجتمع الدولي تسعى، على اختلافها، إلى الموائمة، بدرجة أو بأخرى، بين طروحاتها العقائدية النظرية والمثالية، وبين ما تفرضه الحقائق والمعطيات الواقعية للعلاقات الدولية. يظهر ذلك جليا من خلال الأهمية التي توليها الدول تجاه القضايا التي تمسها بشكل مباشر أو غير مباشر والتي تشكل الساحات الأساسية لحركتها السياسية الخارجية.
وتركيا، شأنها شأن الولايات المتحدة وغيرها من الدول، لها ساحاتها الأساسية الإقليمية ضمن البيئة المكونة لحدودها الجغرافية، وما يجري فيها من تفاعلات في إطار العلاقات الدولية، ولاسيما تلك التي تنطوي على دلالات ومؤشرات إقليمية يمكن أن تمس المصالح القومية التركية وتؤثر فيها.
عليه، مهما كان منظور تركيا لعلاقاتها مع الولايات المتحدة فإن مقدماته ومعطياته ودوافعه، سياسية – أمنية كانت أم اقتصادية – عسكرية، قد تم التعامل معها من خلال عملية واعية ومترابطة لتتم ترجمتها إلى علاقات مميزة مع الولايات المتحدة، تلك العلاقات التي قامت، من زاوية المنظور التركي، على العديد من الاعتبارات أبرزها:
1.توفير ميكانيكية فاعلة إلى حد كبير لتحقيق نوع من توازن القوى الذي يحميها من الصراعات والمنافسات المحتملة للقوى الكبرى، روسيا بشكل خاص.
2.حاجتها إلى حليف قوي يتيح لها بعض الفعالية إزاء سياساته باعتباره طرفا دوليا مهما له مصالح دولية واسعة، إلى جانب ما يمكن أن يتيحه لها من هامش معقول من التحرك لتحقيق مصالحها.
3.تدعيم موقفها في مواجهة قوى أخرى خارجية وحتى داخلية، منافسة لتركيا إن لم تكن في صراع معها مثل اليونان بالدرجة الأولى وأرمينيا وبلغاريا إلى حد ما والأكراد في الداخل.
4.حاجة تركيا المستمرة إلى المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية.
5.تأمين العلاقة المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالحصول على العضوية الكاملة فيه.
أما المنظور الأمريكي للعلاقات مع تركيا فيستند على أساس الاعتبارات المتمثلة بالأهمية الاستراتيجية لموقع تركيا وتأمين المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وقفقاسيا وتوظيف النموذج التركي لاحتواء "الأصولية الإسلامية" فضلا عن أهمية العلاقة بين تركيا وإسرائيل. وانطلاقا من هذه الاعتبارات المتبادلة دخلت العلاقات التركية - الأمريكية بعد الحرب الباردة مع مطلع التسعينيات ضمن إطار استراتيجي، الأمر الذي أسهم في إعطاء هذه العلاقات زخما جديدا تبعا للمصالح الاستراتيجية المشتركة بينهما.