المآزق الفكري للنظام الرأسمالي والأزمة الاقتصادية العالمية

Abstract

تشير الدلائل التاريخية ، إلى إن الولايات المتحدة الأمريكية لعبت دورا أساسيا في تفجير التناقضات الكامنة في الآليات الاقتصادية والاجتماعية التي حكمت النمو في البلدان الرأسمالية المتقدمة .فباسم تجنب أخطار الأزمات الدورية كان السعي الحقيقي لزيادة الطلب ، ومن ثم تم الاعتماد على قدر من التضخم ، لكنه تخطى المعدلات التي كان يمكن اعتبارها عادية ، وعندما أقدمت الولايات المتحدة في عام 1971 على تخفيض الدولار كانت تعلن في الواقع عن تغير موقفها من أوربا الغربية واليابان . وأدى ذلك إلى تفكك النظام النقدي الدولي . ولقد اتبعت الولايات المتحدة سياسة انكماشية لكنها أفضت إلى بطء وركود الإنتاج من غير أن توقف وتائر نمو التضخم وذلك لإتباع الدول الرأسمالية الأخرى السياسة نفسها ، حتى النمو الذي أعقب الأزمة في عامي 1972 ، 1973 قد أثر على مستويات الإنتاج وتحول إلى مرحلة من التوسع التضخمي بفعل الاحتكارات الأمريكية التي أقدمت على تكوين مخزون من الوقود والخامات يفوق الاحتياجات المعتادة الذي أفضى إلى نقصاً حاداً في كثير من السلع وكان ذلك السبب في تطور أزمة الطاقة التي امتدت إلى العالم الرأسمالي بأسره . وعلى الرغم من قدرة الرأسمالية المعاصرة على التكيف مع الأوضاع الجديدة التي ظهرت بفعل التطورات العلمية والتقنية والثورة المعلوماتية بعد منتصف السبعينات من القرن الماضي ، إلا إن السمة البارزة التي لا زالت تميز النظام الرأسمالي هو استمرار حالة عدم التوازن الاقتصادي وهكذا أصبحت الرأسمالية المعاصرة تواجه مآزقا كبيرا يتمثل في إن نمو قدراتها الإنتاجية يضع معوقات كبيرة في طريقة الاستخدام الكامل للموارد المتاحة لديها من ( مادية وبشرية ) لذلك أصبح الوضع العادي للاقتصاد الرأسمالي هو الركود طالما لم توجد قوى تعارضه وصار الصراع بينه وبين القوى التي تعارضه هو الذي يحكم مسار الاقتصاد الرأسمالي على النطاق العالمي . في ضوء هذه المقدمة ،يمكن القول أن الأزمة الاقتصادية العالمية التي يواجهها الاقتصاد العالمي اليوم هي أزمة انطلقت شرارتها أيضا من الولايات المتحدة وامتدت إلى معظم اقتصاديات العالم ، والحقيقة أن هذه الأزمة هي ليست بجديدة بالنسبة للنظام الرأسمالي لكنها تعد الأصعب والأقوى من بين الأزمات التي عرفها النظام الرأسمالي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية . ويمكن القول أنها أزمة مركبة، حيث لها تشابكات مع الأزمات التي شهدها النظام الرأسمالي منذ سبيعنيات القرن الماضي ، مثل أزمة النظام النقدي الدولي ، وأزمة الطاقة والخامات ، وأزمة التضخم الركودي ، وأزمة المديونية الخارجية ، وأزمة الغذاء ، وأزمة البيئة ، وكلها أزمات هيكلية ، تكشف عن الطابع المتناقض بالغ العمق والتعقيد للنمو الاقتصادي الراهن للنظام الرأسمالي متمثلا ذلك باقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية ، الذي يعاني من ظاهرة البطالة ، العجز التجاري ، والعجز المتزايد في الموازنة العامة للدولة ، وارتفاع معدلات الفائدة ،وبذلك يمكن القول ، أن الرأسمالية وهي تدخل مرحلة جديدة من تطورها ، التقى فيها التطور العلمي والتكنولوجي بالهياكل القديمة للإنتاج وبالعلاقات الصناعية المتداخلة التي أبقت تقسيم العمل الدولي في حالة من الاختلال والأزمات المستمرة بحيث لم يصل بعد إلى حالة من التوازن