قصيدة العمود الومضة...نحو اسلوب شعري جديد

Abstract

القصيدة الومضة هي اسلوب شعري حاز على اهتمام العديد من النقاد والباحثين العرب في عصرنا الحديث ، لما تميز به من الخصائص والتقانات الاسلوبية ، كالإيجاز والتكثيف والادهاش وقوة الايماء والختام المبهر وغير ذلك ، فضلاً عن تميزه بالغنائية الذاتية التي تعبر عن حالة شعورية واحدة غير متشظية تتركز في عمق الفكرة وادهاشها واعتمادها على المفاجئة والمفارقة احياناً مما يمنحها تلك الايماضة التي تختزل اكبر قدر من العاطفة الذاتية في اقل قدر ممكن من الكلمات الامر الذي يجعل للقصيدة الومضة بعدا استدلالياً جديداً في عالم الشعر المتجدد. ولعل السمات التي طُبعت بها القصيدة الومضة والخصائص التي ميزتها تتداخل مع أساليب و أشكال شعرية متعددة كالمقطعات والخماسيات والموشحات وغيرها من الفنون الشعرية العربية القديمة ، فضلاً عن النماذج غير العربية كقصيدة ( الهايكو ) اليابانية و ( الابيجرام ) الاوربية . والانماط السابقة جميعها يمكن ادراجها - بحسب ما يرى بعض النقاد – ضمن ما يسمّى بالقصيدة القصيرة ، التي من سماتها أيضاً الايجاز والتكثيف والايحاء غير المباشر وغير ذلك .من هنا فقد تعددت التسميات التي اطلقت على هذا النمط من الشعرـ اي القصيدة الومضة ـ فكانت تسميات كالتوقيعة، واللمحة، والخاطرة، والتلكس الشعري، وقصيدة الخبر، وقصيدة القص، وقصيدة الفكرة، وغيرها من المسميات .أمّا عن تاريخ نشأة القصيدة الومضة فإننا لا نستطيع تحديد ذلك بسبب التشاكل الحاصل حول وجود هذا النمط ضمن أكثر من شكل شعري ، فهناك نماذج تقع ضمن شعر التفعيلة و أخرى ضمن قصيدة النثر فضلاً عن نماذج تقع ضمن الشعر العمودي أيضاً ، وهذا ما جعل من القصيدة الومضة – برأينا – أسلوباً شعرياً يصلح لاكثر من شكل شعري ، فهي ليست شكلاً و لا نوعاً مثلما يحاول البعض أن يثبت ذلك إنّ القصيدة الومضة باتت واحدة من التجارب الجديدة ذات الكيان المستقل نضجت نماذجها وتكاملت عند شعراء التسعينيات من القرن الماضي على الرغم من وجود محاولات سابقة وان كانت على نطاق ضيّق يُمكن ادراجها ضمن القصيدة القصيرة . ومع أهميّة هذا الاسلوب الجديد – القصيدة الومضة – بوصفه يعبر عن حالة الفوضى والارتباك التي أصابت مجتمعنا العربي فكرياً وعقائدياً واجتماعياً ونفسياً ، فإنّ الحاجة أصبحت ماسة لنمط شعري يختزل كل تلك التناقضات بتعبيرات مقتضبة لكنها موحية في الوقت نفسه . فضلاً عمّا للمتلقي من دور كبير في عملية الانتاج هذه . فالمتلقي هو القارىء الذكي الذي يشارك الشاعر مأساة مجتمعه ، مما يجعله يشعر أحياناً بالاحباط والملل من سماع كثير من التفاصيل الشعرية التي هو في غنى عنها .ولعل هذا سبباً رئيساً من أسباب لجوء الشعراء إلى القصيدة الومضة ، التي مارسوها ضمن أغلب الاشكال الشعرية كالتفعيلة وقصيدة النثر والعمودي .وما يهمنا في هذا البحث هو محاولة بعض الشعراء المحدثين ممارسة هذا الاسلوب ضمن الشكل العمودي ومدى نجاحه أو اخفاقه في تحقيق الغاية من ورائه، في تساؤل مهم هو : بماذا تختلف قصيدة العمود الومضة عن المقطعات الشعرية في شعرنا القديم ؟ .وليس المهم القول بمدى نجاح تجربة اولئك الشعراء أو اخفاقهم في تجربة العمود الومضة ، ولكن المهم هو ادراكنا لنجاح الشاعر في عمله الابداعي وخلقه الجديد ، ولا سيما ونحن نقف إزاء تجربة لا تؤمن بالتفاصيل المملة وإنما بجوهر الكينونة الشعرية وتجاربها الابداعية التي تحيل الشاعر الى رسام لديه الافق بأكمله لكنه معني فقط برسم لوحة محددة.