@Article{, title={الأُصولُ الرومانسيَّةُ في الشِعرِ الجَاهليِّ(; شعر التأمُّل );}, author={قسم اللغة العربية and حسن دخيل الطائي حسن دخيل الطائي}, journal={Journal Human Sciences مجلة العلوم الانسانية}, volume={1}, number={5}, pages={1-20}, year={2011}, abstract={عُرِفَ عن الشِعْرِ الجاهِلِيِّ، بأنَّهُ شِعْرٌ واقِعِيٌّ، عُنِيَ بِتَصويرِ الواقعِ في العَصْرِ الجاهلي، وما يَضطَرِبُ به هذا الواقعُ، من أحداثٍ وصِراعاتٍ؛ فقد كُرِّسَ معظمُ هذا الشِعْرِ، لِلذَودِ عَنِ القبيلةِ، وإلى نَشْرِ مَفاخِرِها، والتغنِّي بانتصاراتِها، علاوة على تناولِهِ بعض جوانب الحياة الاجتماعية، مثل تصويره لِبَعْضِ أنماط مَعيشة الناس في تلك الحقبة، التي اتَّسمت بضَنَكِ العيش، وسوءِ الأحوال المعيشيَّة بسبب قلَّةِ المواردِ في تلك البيئة الصحراويَّة، فكان الجوعُ يضربُ أطنابَهُ في طول الصحراء وعَرضِها، وضاق الناسُ به ذرعًا، ونجمَ عن ذلك ظواهر اجتماعيَّةٌ مُدانةٌ، منها وَأْدُ البنات، والسلبُ، والنهبُ بين القبائل لكلِّ ما تطالُهُ أيديهِم في أثناء الغزوات التي دارت بينهم في ذلك العصر، فضلاً عمَّا قام به الصعاليكُ، من أعمالِ السَطْوِ، والنَهْبِ، واعتراضِ سبيلِ القوافلِ، وسرقةِ ما يمكنُ سرقتُهُ، ونجدُ ذلك واضحًا في شِعْرِ الصعاليك؛ وفي ضوءِ ما تقدَّمَ كان الشعرُ الجاهليُّ، صورةً صادقةً لِمُجتَمَعِهِ، وكادَ يكونَ وثيقةً تاريخيَّةً، تحكي حقيقةَ ذلك المجتمعِ، وكانت شخصيَّةُ الشاعر تذوبُ في إطار الجماعة، وهو يتناول هذه الموضوعات.
غيرَ أنَّ تلك الأوضاعَ المُزريةَ من حُروبٍ، وقتلٍ، واضطرابٍ كان فيها الإنسانُ لا يأمنُ على نفسِهِ، ولا على مالِهِ، في مجتمعٍ يُعاني من الفقر المُدقع الذي يصلُ في كثيرٍ من السنين إلى درجة المجاعة، علاوة على ما تبعثُهُ هذه الصحراءُ القاحلةُ المُمحِلَةُ المُمْتدَّةُ على طول البصر، من وحشةٍ، وخوفٍ في نفوسِ أبنائها الذين لا يعرفونَ ما تُخبِّئُهُ لهم، فضلاً على ما يلفُّها من غُموضٍ؛ ذلك كلُّه جعل طائفة من شعراء العصر الجاهلي، تصطبغُ نفوسُهُم بالحزنِ، وتستولي عليها الكآبة، وكان ذلك سببًا في ظهور هذا الضرب من الشعر، وهذا ما جعل الشاعرُ الجاهليُّ يُخصِّصُ جزءًا مِنْ شِعرِهِ؛ لِيُعبِّرَ عن همومِهِ الذاتيَّة، وعمَّا تختلجُ به نفسُهُ من مشاعرَ وأحاسيسَ نحو الحياة والموت، والطبيعة، فجاء هذا الشعرُ ذاتيًَّا بكُلِّ ما تحملُهُ هذه الكلمة؛ فقد سجَّلَ فيه الشاعرُ الجاهليُّ ما يخطُرُ على بالِهِ، من مشاعرَ وأحاسيس نحو النفسِ الإنسانيَّةِ، والوجود. وهو يختلفُ عن الشعر الواقعيِّ الذي عُنِيَ بالحديث عن السيوف، والخيول، والكرِّ والفرِّ، وما ينجُمُ عن هذه الحروب من مآسٍ، وويلات، وما يُحرَزُ من انتصارات، أو ما يقومُ به الصعلوك، من مغامراتٍ، وحِيَلٍ من أجلِ أن ينتزعَ لقمةَ عيشِهِ.
وتناولَ البحثُ أبرزَ الموضوعات التي دار عليها هذا اللون من الشعر، وهي التأمُّلُ في الحياة والموت، والخير والشر، والشباب والمشيب، والطبيعة؛ فقد حاول هؤلاء الشعراء التعمُّقَ في أسرارِ هذه الموضوعات، ومعرفة أسرارها، وكنهها، غير أنَّهم رجعوا ناكصين، فلم يقفوا إلا عند ظواهرها، فلم يشفوا غُلَّةَ نفوسهم الظمأى لمعرفة المجهول، فظلَّ الموتُ شبحًا يُلاحقُهم، اضطرَّهم في النهاية إلى الاستسلام لإرادتِهِ، والتسليمِ بما تكتبُهُ لهم الأقدار، وكذلك في الموضوعات الأخرى وقف الشاعرُ الجاهليُّ عند حدودِ ما اكتسبه من الحياة، في أثناء تجربته التي عاش فيها، فعلَّلَ مثل هذه الظواهرِ بما يمتلكُهُ من تجربةٍ، وما توافرَ له من ثقافةٍ ومُعتقداتٍ، لذلك أطلقنا على هذا الضرب من الشعر: الأصول الأولى للاتجاه الرومانسي، ولم نقُل الاتجاه الرومانسي؛ لأنَّ الشاعرَ الجاهليَّ، لم يتعمَّقْ في الأشياء، ولم يُعبِّرْ عن مشاعرَ، وأحاسيسَ، وعواطفَ تتَّسمُ بالنُضْجِ، كما كان يفعلُ الشاعرُ الرومانسي في العصر الحديث، يُزاد على ذلك أنَّ هذا الشعرَ يشبهُ الشعرَ الرومانسيَّ في كونِ صاحبِهِ يُعنى بالتغنِّي بآلامِهِ، وأحزانِهِ، ويُعبِّرُ عمَّا يُعانيهِ من اضطرابٍ، وقلقٍ، ويأسٍ في هذه الحياة، فضلاً عن أنَّ بعض الشعراء، سجَّلوا سبقًا في الميدان الرومانسي، فمن الشعراء من وقف على القبور، وسجَّلَ خواطرَهُ مثل عديِّ بنِ زيد العبادي، وهو بعملِهِ هذا سبَقَ شعراء مدرسة القبور البريطانيَّة الحديثة الذين كانوا يقفونَ ليلاً في المقبرةِ، ويُسجِّلونَ خواطرَهم، كذلك نظمَ بعضُ الشعراء في العصر الجاهليِّ خواطرَهم، ومشاعرَهم بقصيدةٍ ذات أداءٍ قَصَصِيٍّ صَوَّروا فيها مشاعرَهم نحو الحياة والموت، وما يُلاقيه الإنسانُ في الحياةِ الأخرى بقصائد ذات نزعةٍ خياليَّةٍ زاخرةٍ بمشاعرِ الخوف، والرهبة، والقلق، مثل أميَّة بن أبي الصلت. وبهذا يكونُ هؤلاء الشعراء قد سبقوا شعراء الرومانسية الحديثة الذين نظموا كثيرًا من مشاعرهم، في قصائدَ تشبهُ شعر الأقصوصة، ويُعدُّ ذلك واضحًا في شعر جماعة الديوان، وأبولو.
وظهر هذا الاتجاهُ الرومانسيُّ، جليًَّا، في الخيال، فقد جاء أصحابُهُ، بصُوَرٍ شعريَّةٍ، تُثيرُ التأمُّلَ، وتبعثُ مشاعرَ وعواطفَ شتَّى، في نفوس مُتلقِّيها، ولا تحفلُ هذه الصورُ الفنيَّةُ بالتشبيهات الحِسِّيَّة، أو المادِّية، بل تُعنى بالتشبيه الذي يستطيعُ الشاعرُ، أن ينقُلَ إلى المُتلقِّي، خلاصةَ ما استودعَ في ذهنِهِ من مشاعرَ، وعواطفَ، لا أن يتسابقَ في ميدان الألوانِ، والأحجام، والأشكال، فإنَّ مثلَ هذه الصورِ التي تحفلُ بالمحسوسات، يتساوى فيها الشاعرُ، مع خيال الإنسان

} }