@Article{, title={تيار الوعي في رواية ( بيت على نهر دجلة ) للروائي العراقي مهدي عيسى الصقر}, author={أ. م. د. محسن تركي عطية الزبيدي}, journal={Al-Bahith Journal مجلة الباحث}, volume={21}, number={}, pages={361-372}, year={2019}, abstract={تيار الوعي في رواية ( بيت على نهر دجلة )للروائي العراقي مهدي عيسى الصقرالمقدمة : شهدالعراق في الحقبة الممتدة من السنة الأولى لعقد الثمانينيات (1980 ) وحتى يومنا هذا ( كتب البحث في 20 صفر 1438 - 2017 ) تطورات سياسية واجتماعية واقتصادية ، قل مثيلها في التاريخ الإنساني ، من جنبتي الأثر في منظوره الزمني والمؤثر في منظوره الوطني. فمن هناك الحرب الضروس في ثمانيها العجاف من القرن المنصرم بدأ الطوفان حين تحولت الدولة من حكومة السلطة إلى حكومة الإمرة ، القائمة على الهيمنة والقهر ، وبسبب ضغوطات الحرب المشتعلة تحول النظام البعثي الحاكم إلى العوبة بيد الحكومة الأمريكية تارة ، ودول الخليج تارة أخرى . وعندما تبلورت فكرة الإصلاح السياسي بعد الحرب العراقية – الإيرانية – أو هكذا ظن عدد من المثقفين في حينها – لم تتبلور على أسس دستورية تحترم فيها إرادة شعوب المنطقة ، أو شورية تحترم فيها إرادة الشعب العراقي ، فكان شعارها الانفعالي هو الذي أوقعها في حرب الخليج الثانية ، التي أهلكت الحرث والنسل ، وكانت بوابة لحصار مقيت سلبت في أثنائه الهوية العراقية لصالح شعوب المنطقة ، ثم أردف هذا الحصار باحتلال طامع فتح الساحة العراقية لتصفية حسابات سياسية وعسكرية ، لا ناقة للمواطن العراقي البسيط فيها ولا جمل . وكان من نتيجة هذه الحرب أو الحروب أن ولدت فوضى أو فوضات ،مهدت لخلط المفاهيم كلها – تقريبا - ، فلم تكن هناك إضاءة في التمايز ما بين فهم المجتمع ومفهوم المجتمع ، أو بين العقيدة الحاكمة للفرد والسلطة الحاكمة للمجتمع . وأورث هذا الخلط انكسارا خطيرا في نفسية الإنسان العراقي ( على مستويي السوقة والنخبة ) ، إذ وجد المثقف العراقي نفسه أمام كيان غير طبيعي من حيث الولادة والنشأة ، وإن هذا التنافر الحاصل بين المثقف والمجتمع يُكسي الحاضر والمستقبل جلبابا مأساويا خانقا ، لا يمكن للمثقف فيه أن يحافظ على تماسكه ، ولا يمكن للمجتمع أن يحتفظ باستقراره ، لأنه يسير على خلاف القوانين الطبيعية للنشأة والنمو . وقد حاول الروائي العراقي ولاسيما بعد عام ( 2003 ) مستغلا الديمقراطية الجامحة التي يتمتع بها عراق ما بعد الاحتلال الأمريكي أن يوثق حالة الانكسار المجتمعي، والتأزم النفسي ، في ظل حروب متتالية انتهت بأجمعها إلى الفشل . وعلى الرغم من كثرة القيود التي تكبله ، حاول جهده الإجابة على الأسئلة الثلاث من ؟ ولماذا ؟ وكيف ؟ .من خلال تعرية حالات الإفلاس الخلقي ، والتخندقالآيدلوجي ، تجاه التطرف السياسي الذي يقود في العادة إلى سلوك متطرف ، وما بين التطرف الفكري والتطرف الفعلي تبدو دلالات التشوه والعقم والإفلاس صورا حزينة ومتوقعة لأنـها مشدودة بقوة إلى خطوات ملغومة بخطر السياسة الجائرة . وأستطيع أن أجزم – بعد قراءة دقيقة ومتخصصة للمنجز الروائي العراقي في الثلاثين سنة الأخيرة – أن رواية ( بيت على نهر دجلة ) للروائي العراقي الكبير مهدي عيسى الصقر تعد أول رواية حرب عراقية استطاعت تجاوز مرحلة التعبئة التي أجبر عليها القاص العراقي بسبب ظروف الثقافة الدكتاتورية السائدة في عقدي الثمانينيات والتسعينيات ،فضلا عن أنها كتبت بعد (26) سنة من اندلاع الحرب المروعة ، و(18 ) سنة من نهايتها ، وهذه الفترة الزمنية كافية لسرد الأحداث بموضوعية معقولة ، يتمكن فيها الكاتب من الفصل بين الفهم الكاذب والفهم الحقيقي لجوهر الصراع السياسي والديني للحرب ، فمن خلال ربط المشاهد مع بعضها ،والكشف عن صراع الشخوص داخل منظومة الحكي ، يماط اللثام عن أبطال السرد ودورهم في تنامي الحدث الرئيس الذي يعد جوهر الفكرة المركزية للروي ، مثلما يعد جوهر النسيج الفني للرواية . وربما لهذا السبب ولأسباب أخرى نرى قصص الحرب الخالدة كتبت بعد نهاية الحرب بسنين غير قليلة ،كما هو الحال في رواية ( الحرب والسلم ) لتولستوي التي كتبت بعد ( 100) عام من انتصار الروس في حربهم ضد نابليون، وما يقارب هذه المدة في رواية ( جسر على نهر درينا ) للكاتب اليوغسلافي ايفواندريتش ، ورواية ( قلعة الأسطة ) للكاتبة اللبنانية ليلى عسيران التي تروي فيها قصة الحرب الأهلية اللبنانية ، وغيرها من الروايات العالميـة والعربيـة . ومما ينبغي الإشارة إليه أيضا أن هذه الرواية تعد أول رواية حربية استطاعت تجاوز الآلية التي وقع فيها التصوير الاجتماعي التقليدي للأدب في الرواية والمسرح ،إذ وجد الروائي الحاذق أن تصوير الوضع المأساوي للمجتمع العراقي في ظل الحرب ، وتحت وطأة الأزمات النفسية الحادة في تيك الحقبة من خلال شاشة الواقعية البانورامية ، التي تلاحق الأحداث ، وتتصيد التقاطها ؛ لتقدمها للمتلقي على شريط تسجيلي شبه فوتوغرافي غير مجدية ، وإن وسائلها آليات عفى عليها الزمن ، فالأمراض الاجتماعية والصراع النفسي المصاحب لفشل الأنظمة المستبدة يحتم على الروائي التفتيش عن وسيلة أو وسائل قادرة على مواكبة حركة المجتمع المرتبطة بكل التحولات البشرية والفلسفية والسياسية والاقتصادية . وقد وجد القاص مهدي عيسى الصقر أن تيار الوعي وسيلة أسلوبية مثلى في كتابة هذا النوع من الروايات ؛لقدرته على تصوير الحساسية الشديدة لشخصياتها ، المبتعدة كليا عن الأحداث البارزة التي شكلت حساسيتها المفرطة ، فالأحداث الكبيرة المقترنة بالزمان والمكان التقليديين يسلبان القاص والقارئ حرية الحفر والتنقيب في المعطيات النفسية والشعورية للشخصية الروائية الرامزة لأزمة المجتمع ، وهي تتمظهر بشكل سري في جسد القصة . إن الوفاء للفن ينبغي أن يكون بمستوى الوفاء للزمن والتغير الاجتماعي ، فالمتلقي لا يستلذ بنص ابداعي يعد هجينا عن ذائقته المحكومة بالزمان و المكان ، فالتقلب في مزاج المجتمع ينبغي أن يقابله تقلب في مزاج الفن ، والنقيض صحيح أحيانا ، لأن الفنانين يخلقون عصورهم – كما يقال – في بعض الأحيان .

} }