TY - JOUR ID - TI - تأصيل القضايا الفقهية المعاصرة بين المقاصد والنصوص AU - محمد نبهان إبراهيم الهيتي AU - عبد الستار إبراهيم PY - 2012 VL - 3 IS - 13 SP - 1299 EP - 1346 JO - Anbar University Journal of Islamic Sciences مجلة جامعة الأنبار للعلوم الإسلامية SN - 20716028 27068722 AB -

وفي نهاية هذه الدراسة المتعلقة بتأصيل القضايا الفقهية المعاصرة بين ظاهر النصوص وضوابط المقاصد الشرعية ، أمكننا التوصل إلى جملة من النتائج ، أبرزها :1 ـ الأصل في التشريع هو الأخذ بظاهر النصوص ، وأنه لا يجوز العدول عن ظاهرها إلا بقرائن ملزمة ، وبناء على ذلك أجمع المسلمون على أن العمل بالظاهر واجب حتى يرد دليل شرعي صارف عنه إلى المحتمل المرجوح ، وعلى هذا كل من تكلم في الأصول والمقاصد الشرعية .2 ـ وجد في المجتمعات الإسلامية من يسلك مسلك التطرف في التمسك بظواهر النصوص دون فقهها ، ومن غير الوقوف على مقصد الشرع منها . حتى ظهر في العصور المتأخرة من يتصور أنه يكفي للشخص ليكون مجتهدا بأمور الشرع أن يكون عنده مصحف ، أو كتاب من كتب الصحاح أو السنن ، وقاموس من قواميس اللغة ليمارس الاجتهاد أو يقول بحكم الشرع ، وهذا الصنف من الباحثين يصح أن يطلق عليهم مصطلح " الظاهرية الجدد " فهؤلاء اشتغلوا بالحديث ، ولم يتمرسوا في الفقه وأصوله ، ولم يعرفوا أسباب اختلاف الفقهاء ، ولم تصل مداركهم إلى ما وصل إليه الفقهاء في الاستنباط والتوجيه ، حتى أنهم أهملوا النظر إلى مقاصد الشريعة وغاياتها وأهدافها ، وابتعدوا عن تعليل الأحكام ومدى ارتباطها بالزمان والمكان والبيئات .3 ـ بعض من تصدى للفتوى في القضايا المعاصرة بناء على ظاهر النصوص نجد أنهم قد أقدموا على تحريم كثير من المعاملات المباحة ، وإغلاق العديد من أبواب العلم والمعرفة ، وإخراج أقوام من الملة ، بزعم مخالفة النص القطعي وعدم الالتزام بالثابت من ظاهر الدليل ، والحقيقة أن الأمر لا يمكن أن يعالج بهذه الطريقة ، وإنما لابد للنص من ضوابط وقواعد يستند إليها المفتي أو المجتهد للتعامل معه والاستنباط منه ، وفي هذا يقول الإمام ابن القيم رحمه الله " لا يجوز للمفتي أن يشهد على الله ورسوله بأنه أحل كذا أو حرمه أو أوجبه أو كرهه إلا لما يعلم أن الأمر فيه كذلك مما نص الله ورسوله على إباحته أو تحريمه أو إيجابه أو كراهيته ،،، قال غير واحد من السلف: ليحذر أحدكم أن يقول : أحل الله كذا أو حرّم كذا ، فيقول الله له كذبت لم أحل كذا ، ولم أحرمه " .4 ـ المتابع لمسيرة الاجتهاد الفقهي منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم يدرك أن الأخذ بمقاصد الشريعة قد واكب حركة الاجتهاد منذ بداياتها ، فقد كان فقهاء الصحابة مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود ومعاذ بن جبل وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم يعتمدون في فتواهم النظر إلى ما وراء الأحكام من مصالح وعلل وحكم ومقاصد ، ولم يفت عن بالهم في أي مسألة حكموا بها مقاصد الشريعة وغاياتها وأهدافها رغم وفرة النصوص الشرعية الجزئية في كل من القرآن والسنة ، فربطوا الجزئيات بالكليات والفروع بالأصول والأحكام بالمقاصد والغايات ، وهو الأمر الذي أكده علماء الأصول من مختلف المذاهب الفقهية ، كالإمام الشافعي في الرسالة ، والجصاص في أحكام القرآن وغيرهم الكثير . ومن هنا وصف ابن القيم بأنه " الفقه الحي الذي يدخل على القلوب بدون استئذان ".5 ـ إن الأمة اليوم بحاجة ماسة إلى اعتماد البعد المقاصدي في الفقه ما دام أنه يمثل منهج السلف من الصحابة والتابعين ومجتهدي الأمة على اختلاف مذاهبهم ليستمر الفقه متسما بالمرونة في مواجهة المستجدات والنوازل ، وليكون عاملا من عوامل تجديد الفقه وتقوية دوره ومكانته في حياة الأمة ، والحقيقة أن الفقه المقاصدي لا يختلف كثيرا عن منهج السلف في الكشف عن العلة ومناطها تخريجا وتهذيبا وتحقيقا ، إذ لولا ذلك لتعطلت أحكام الشريعة في مواجهة النوازل والوقائع المستجدة .6 ـ إن الاكتفاء بالنصوص والاعتماد على ظواهرها إنما يمثل منهج غلاة الظاهرية ، الذين نفوا أن تكون الشريعة معقولة المعنى معللة بمقاصدها وعللها ومصالحها ، كما أن الانكفاء على المقاصد والإنفراد في اعتمادها ، دونما اعتبار للنصوص الشرعية وقواعدها وصيغها وأساليبها ، إنما يمثل غلاة أهل التأويل الذين أفرطوا في العدول عن الظواهر ، وبالغوا في التفسير المقاصدي ، وعولوا كثيرا على ما وراء النصوص والأدلة من معان ومصالح من غير قيود وحدود ، وبمنأى عن الشروط والضوابط ، فشذوا عن منهج الاجتهاد الأصيل وأوقعوا أنفسهم في مزالق عقدية وفقهية جعلتهم محل قدح وذم ، وأبعدتهم عن التعامل المباشر مع معطيات الوحي وألفاظه وعباراته .7 ـ إن على الفقهاء المعاصرين المهتمين بمعالجة القضايا الفقهية المعاصرة أن يجمعوا في منهجيتهم الاستنباطية بين النص الشرعي ، وبين المصالح والمقاصد ، لتكون اجتهاداتهم وفتاواهم مناسبة للعصر ومواكبة للتطور العلمي والفكري والمنهجي ، مع عدم التفريط بثوابت التشريع من آيات القرآن الكريم والسنة النبوية ، ذلك أنه قد تسللت كثير من أفكار الحضارة المادية المعاصرة إلى عدد من الباحثين الذين وجهوا أعينهم صوب الغرب ومدنيته ، فتخيلوا جملة من المصالح الموهومة ، وحاولوا أن يلصقوها بالمصالح الشرعية المعتبرة بحجة تحقيق المقاصد الكلية ، ثم يستولدون من هذا اللقاح الهجين وغير الشرعي نتيجتهم المطلوبة التي يريدون التوصل إليها في: أن معظم أو جميع ما تعصف به علينا رياح الغرب أو الشرق أمور مرعية شرعا . 8 ـ ليس من سبيل للتخلص من هذا الخلط المتعمد في منهج البحث والاستدلال ، إلا أن يكون المهتم بفقه القضايا المعاصرة جامعا بين منهج النص والقواعد ، وأن يكون على بينة من الخصائص الجوهرية للمصالح والمقاصد الشرعية التي اعتبرها الشارع الحكيم ، وملاحظة تلك الخصائص والضوابط مع ما يسمى بالمصالح في الحضارة المادية المعاصرة ، ثم المقارنة بين خصائص كل منهما ، فإذا كانت تلك المصلحة التي يراد اعتمادها منضبطة بتلك الضوابط الشرعية ، فتلك مصلحة حقيقية تجدر مراعاتها وإن كانت خارجة عليها متجاوزة لحدودها فتلك مصلحة متوهمة ، وربما تكون مفسدة يجب دفعها وعدم مراعاتها .9 ـ إن مراعاة مجمل الضوابط التي أشرنا إليها في هذه الدراسة ، سواء الضوابط التي يجب توافرها في العمل بالنص الشرعي من خلال التأكد من نسبة النص إلى مصدره والتوثق من صحته ، والتعرف على أسباب النزول ومناسبات الورود ، واعتماد قواعد اللغة ولسان العرب ودلالات الألفاظ وتحديد معانيها، واعتماد المنهج السياقي في فهم النص ، واعتماد مراتب النصوص من حيث كونها قطعية أو ظنية في ثبوتها ودلالتها ، والقراءة التكاملية الشاملة للنص ، والتجرد والموضوعية في فهم النصوص من جهة ، وكذلك الضوابط التي يجب توفرها في العمل بالمقاصد من حيث شرعية المقاصد وإسلاميتها وربانيتها ، وشموليتها وواقعيتها ، وعقلانيتها ومواءمتها للفطرة ، وعدم مخالفتها لنص قطعي صريح ، وعدم تفويتها لمقصد أهم منه أو مساو له ، وعدم معارضتها للإجماع ، وعدم معارضتها للقياس المنضبط ، كل هذه الضوابط تثبت أنه لا يمكن إنفراد أحد المنهجين في دراسة القضايا الفقهية المعاصرة واختيار الحكم الشرعي لها ، لأن هذه الضوابط تضعنا على الطريق العلمي الدقيق في منهج الاستنباط والاستدلال الصحيح الذي لا يخرج عن دائرة النص الشرعي ، ولا يتناقض مع المقاصد الشرعية ، وبهما يمكن تنزيل النصوص والمصالح على واقع الحياة ، ذلك أن العمل بالضوابط المرتبطة بكل من النص والمقاصد هو نفسه يمثل العمل بالمقاصد الشرعية ، وأن الإخلال فيها أو في ضابط من ضوابطها إنما يمثل في الحقيقة إخلالا بالنصوص الشرعية وبالمقاصد الشرعية وبمراد الله تعالى من تلك النصوص والمقاصد . حسبناأننا اجتهدنا ،،، ومن الله التوفيق ER -