الإمام السجاد عليه السلام وتربيتنا الروحية

Abstract

منذ أمد بعيد اختلط الحابل بالنابل حيث جرى تقاسم التصور الإسلامي (لينفرد) كل فريق بنصيب يزعم أنه صاحبه ومؤسسه حيث يدعي البعض أن مهمة التربية الروحية والأخلاقية للأمة قد سقطت في حجرهم وأصبحوا هم سادة هذا الفن وأساتذة هذا العلم.لا نعفي الموالين لأهل بيت النبوة من مسئوليتهم عن تلك القسمة الضيزى لا لأنهم لم يقوموا بواجبهم من الأساس فالواقع يشهد أن مجالسهم عامرة بالذكر والدعاء والتقرب إلى الله، إلا أنهم ولسوء الحظ لا يجيدون تغليف بضاعتهم وتزيينها مثلما يفعل الآخرون ممن يزعمون لأنفسهم أنهم أهل الصناعة والفن.الشيء المؤكد أن تعدد الأئمة d وتعاقب المراحل التي مروا بها يعني تنوع أدوارهم رغم توحد جوهر هذا الدور.أحد أهم الوظائف التي اضطلع بها أئمة أهل البيت هي التربية الروحية للمسلمين والانتقال بهم من الإيمان الخشبي [كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ] إلى إيمان القلب وتزكية الروح والارتقاء بها في مدارج الصعود قربا إلى الله عز وجل.الانتقال من إيمان الشكل واللسان إلى إيمان المضمون والجنان ومن خضوع الجسد المتخشب اليابس الذي تهزه رياح الخارج إلى الخشوع المخبت الذي تهزه رجفات القلب ونبضه الواجف من خشية الله، حيث يقول الله تعالى في وصف هؤلاء وهؤلاء [أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ]( ).[وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ]( ).يقول تعالى [يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ]( ).[فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ]( ). قسوة القلب تعني تبلد الضمير واستسهال ركوب المعاصي وممارسة الظلم حيث يتحول المجتمع إلى غابة يأكل فيها القوي الصغير بدلا من أن يصبح واحة للأمان ومضمارا لتحقيق العدل ومظهرا لتجلي الرحمة الإلهية التي أرادها الله لكل البشر [وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ].الآن يجري تقديم التصور الإسلامي وكأنه نظرية سياسية تهدف حصرا للإمساك بالسلطة وقطع رقاب العباد وسبي النساء وتقنين السلب والنهب تحت عنوان (جني الغنائم وقطف ثمرات الجهاد) وليس كرؤية متكاملة للكون تهدف إلى ترقية الإنسان نحو الكمال وإعمار الكون كمصدر أساس للرخاء.الآن أصبح صناعة وتقديم تصور يسمونه بالإسلامي أمرا متاحا على المشاع لكل من هب ودب وفات هؤلاء وهؤلاء قوله تعالى [وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ]( ).الله أرسل رسله للناس بالبينات وما كان ليتركهم دون نظام يجمع شملهم ويحدد أدوارهم هو نظام الإمامة الذي افتتح بعلي بن أبي طالب a ثم الحسن ثم الحسين وعلي بن الحسين، وما حال الفوضى والتيه الذي تعيشه البشرية الآن إلا ثمرة الإعراض عن هذا النظام الإلهي وهو ما منح أصحاب العاهات العقلية والأمراض النفسية الوقاحة الكافية للزعم أنهم قادة الأمة وأنهم أهدى من أئمة أهل البيت سبيلا.لم يكن الدور الذي اضطلع بها إمامنا السجاد زين العابدين علي بن الحسين a في توجيه المؤمنين نحو تهذيب القلوب وانتزاع القساوة منها ناجما عن حالة اضطرار سببه الحصار الأموي المحكم المفروض عليه بعد فاجعة كربلاء كما قد يتصور البعض بل لأن هذه الفاجعة كشفت عن حجم الخواء الروحي والانحطاط الأخلاقي الذي عانت منه أمتنا وما تزال حتى هذه اللحظة وأن المهمة التي تصدى لها إمامنا السجاد لا يمكن أن يتصدى لها أحد عدا أئمة أهل البيت بدءا بعلي بن أبي طالب ووصولا إلى المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.ما أحوج الأمة الإسلامية من يومها وحتى الآن إلى من يقوم بتعبيد القلوب لرب العالمين فهي جوهر البعثة المحمدية [هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ]( )، وليس مجرد إقامة دولة تمارس البطش والقهر وقطع الرقاب بعنوان تطبيق الشريعة ومبررها تلك المقولة المنسوبة إلى رسول الله i (أمرت أن أقاتل الناس......).