أسباب تفشي ظاهرة العنف والعدوان في العراق

Abstract

تقف خلف كل سلوك جملة دوافع وعوامل تفسر اسبابا كامنة تعلل انتهاج السلوك المعين . قال تعالى{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } البقرة 30 .
وظاهرة التطرف والعنف violence والعدوان aggression لها اسبابها ودوافعها وعلينا تحديدها بشكل واضح للوصول الى حلول جوهرية ، ولا شك اننا سنكون في حالة إرباك اذا لم نعرف حقا الأسباب التي تدفعنا وتسيرنا ، ومن هنا كان حريا بنا تحاشي الأحكام المتسرعة لظاهرة العنف والعدوان .
إن العنف ظاهرة مركبة معقدة التركيب ، ولا يمكن تفسيرها بمتغير او عامل واحد فقط فمن المؤكد ان هناك مجموعة من العوامل تتفاعل وتتداخل وتترابط وتؤثر بعضها على البعض سلبا او إيجابا فيما بينها لتفجير أعمال العنف.(1: 42 - 43). نتيجة للغضب . فغالبا ما يكون الغضب مصحوبا برغبة في الثأر عن طريق العدوان . وقد يكون العدوان ناجماً عن باعث خارجي . ولكن يرى البعض ، وفي مقدمتهم فرويد ، ان الناس يولدون بغريزة تدفعهم الى القتل والتخريب.(13: 506-509).
والإحباط كذلك يشكل موقفا نفسيا تتوقف صعوبته على التركيب النفسي للفرد وعلى شعوره بخطورة النتائج ، وحتى إذا كان ذلك الشعور وهميا وعلى درجة تعطل أهدافه القريبة او البعيدة ، فان له آثاراً على البيئة التي يحصل فيها الاحباط ، فكثيرا ما ينعكس الاحباط وبخاصة حينما يكون الإحباط شديدا بصيغة سلوك عدواني على مكونات هذه البيئة من افراد او ممتلكات.(7: 62-63)
وقد يكون السلوك العدواني موجها نحو أهداف معينة واضحة وتكون له دوافعه وأسبابه البينة ، وحدوده المعروفة المتوقعة ، ويخدم غرضا أو يؤدي الى منفعة أو مكسب مادي أو معنوي . ولكن قد يكون العنف والسلوك العدواني عشوائياً ، أهوجاً ، طائشاً ، ذا دوافع غامضة غير مفهومة ، وأهداف مشوشة غير واضحة ، ولا يخدم في تحقيق غاية او منفعة معينة . (21: 197 )
لذلك قد يتوجه العنف والعدوان مباشرة نحو مصدر الفشل ، ولكن على الأغلب تتوافر عوامل تمنع الهجوم المباشر كالعادات والتقاليد والقيم الاجتماعية ، والخوف من سلطة او قوة الهدف المباشر . وعندئذ يتوجه العدوان الى غير المصدر الأصلي وعادة ما يقع الاعتداء على شخص او جماعة اقل او اضعف قوة ، وعند عدم القدرة على توجيه العدوان بهذين الاتجاهين فانه يتجه نحو الذات.(8 : 358-359 ).
كما ان هناك مجموعة من العوامل والأسباب الموقفية المباشرة التي تفجر أعمال العنف ، وتلك العوامل غير المباشرة او الكامنة التي تقف خلفها . فالأولى تعدّ بمثابة المناسبات والشرارات ولكنها ليست الاسباب والعوامل البنائية الكامنة التي تولد الظاهرة . فقيام حكومة ما برفع اسعار بعض السلع مثلاً يسبب عنفا جماهيريا لكنه لا يعد السبب الرئيسي للعنف إذ يرتبط غالبا بوجود ازمة تنموية تتمثل بعض اسبابها الاقتصادية في موجات التنظيم والبطالة والعجز في ميزان المدفوعات والديون. (1: 42 -43) .
وإذا كان مقتل بعض الشخصيات السياسية يعد سبباً في اندلاع بعض الحروب الأهلية فمن المؤكد ان خلف هذه الحوادث تقف ثمة اسباب مباشرة لاندلاع العنف وكان هذا الحدث شرارة نهوضها على ارض الواقع .
وعلى الرغم من تعدد وتداخل العوامل التي تؤدي الى حدوث ظاهرة العنف إلا ان التأثير النسبي لهذه العوامل ليس واحدا، بل يختلف من مجتمع الى آخر ، طبقاً للاختلافات والتمايزات المرتبطة بالتركيب الاجتماعي والثقافي والبناء السياسي والظروف الاقتصادية . وفي بعض الحالات يمكن القول بوجود عامل او عوامل جوهرية او مركزية تؤدي الى اعمال العنف ، في حين يأتي تأثير العوامل الاخرى في مرتبة تالية . فعلى سبيل المثال تعدّ ازمة التكامل وتسييسها عاملاً محورياً في إثارة العنف السياسي في العراق والسودان في حين كانت الأزمة الاقتصادية عاملا أساسيا للعنف السياسي في لبنان وتونس في الثمانينيات (1: 42) .
أما معيار الشرعية وعدم الشرعية للعنف ففي دول التعددية السياسية يعدّ العنف الذي يمارسه المواطنون او فئات معينة استخداماً غير مشروع للقوة لانه يمثل خرقاً للقانون وتخطياً للمؤسسات التي تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
اما في الأنظمة التسلطية القهرية فان ممارسة العنف من المواطنين يعد عملاً مشروعاً وشرعياً لعدم وجود قنوات شرعية وفعالة للمشاركة في السلطة او لتغييرها ،والعنف يصبح مشروعا عندما يرتبط بحركة تحرر وطني او هدف نبيل وصحيح.(1: 43) .


Keywords

علم نفس