الطِّباقُ فِي كَلامِِ الإمامِ عَليٍّ (ع) فِي نَهجِ البَلاغَةِ

Abstract

تَوزَّعت نصوصُ نَهجِ البَلاغة عَلى عَناوينَ بارزةٍ ، ذاعَت واشتهرت بَينَ الناس، وهي:(مِن خطَب الإمام) ، (مِن كُتُب الإمام)،(مِن حِكَم الإمام) ، وتواجد بينها مُصطلحٌ رابِـعٌ – أقلّ حضوراً- وهو:(مِن كلامِ الإمام)(عليه السلام) ، وكان تواجِدُهُ في بابِ الخِطب ، إذ عَدَّه المُصَنِّفُ (الشريف الرضي) بمثابة خطب للإمام(ع)، بقولهِ: " ومِن كلامٍ لهُ عليه السلام يَجري مَجرى الخطبة "(1) ، ويبدو أنَّها اختَصَّت بهذا المُصطَلح بوَصفِها لم تَكن مُوجَّهةً بصورةٍ خطابِيَّةٍ لمجموعةٍ من الناس كَما هُو الحال في عموم خطب الإمام .
لم تأخذ هذه المَقاطعُ – في حدود علمي- حظَّها مثلما أخذت نصوصُ الإمامِ وخطبُهُ وكُتُبه وحِكمُهُ ، من هنا وقعَ اختيارُ الباحث عليها وعَلى ما وَردَ فيها مِن فنِّ الطِّباق أو المُطابقةِ ، وهو فنٌّ ظاهِرٌ ، بارِزٌ ، مُهَيمِن فيها ، فَمَثَّل ظاهرةً تستحق الدرسَ والمُتابَعة ، والنَّظر إليها مِن وجهةِ نَظَرٍ بلاغِيةٍ تُسَلِّط الضوءَ عَلى زاويةٍ بديعِيَّةٍ خاصَّةٍ ، وجِنسٍ مِن أجناسهِ المُتَّفق عَليها، ولم يَجِد الباحثُ مُنصَرفاً دون الوُلوجِ إلى رِحابِه .

اعتاد اغلبُ البلاغيين مِن القُدماء والمُحدَثين في دراسَتِهم لفَنِّ الطباق تقسيمَه على أنواعِهِ المَعهودة ؛ مِن حَيث نوعِ المُفردات فيه ،وكونهما (اسمَين)،أو(فِعلَين)،أو(حَرفَين) ، إلا أنَّ الباحثَ رأى أن ينظر إلى هذا الفن مِن زاويةٍ أخرى ، وفي ضَوءِ رُؤيةٍ مُختلفةٍ تَعتمد التَّصنيفَ الذي فرضَته النصوصُ المُتناوَلَة في البحثِ ، والتي ظَهرت فيهِ كَطباقاتٍ تَجاورت مُفرداتُها ، وأخرى فُصِلَت بحروفٍ ، أو أسماءٍ ، أو أفعالٍ ،أو جُمَلِ اسميَّةٍ ، أو فِعليَّةٍ ، أو شُبه جُملٍ ، وأخرى تَجمَّعت فيها طِباقاتٌ عَديدةٌ في مُقابلاتٍ قد تَطول وقَد تَقصُر .
وفي ضَوءِ ما تقَدَّم توزَّع البحثُ على ثلاثةِ مَباحث اختَصَّ كلُّ واحدٍ منها بنوعٍ من هذهِ الأنواع ، فكانَ الأوَّلُ للطباقِ مُتجاور المُفردات ، والثاني للط باقات التي فُصِلَت مُفرداتُها بالفواصِل المَذكورة ، والثالث خُصِّصَ للطباقاتِ المُنتَظِمة في مُقابَلاتٍ قَصيرةٍ أو طَويلة.
ولعل المسوغ لذلك هو التعرف على الفوارق الدلالية في هذه الاختلافات البنائية للطباق ، وما الداعي لمثل هذا التوزيع ، وتبقى بعد هذا وذاك فنــا بديعيا تجاوز التحسين والتجميل(2) ليشترك في التوظيف الدلالي في كلام الإمام (ع).
وقَبل الشروعِ في البَحث لا بُدَّ مـــِنَ التنويه إلى أمرين هُما: الأول أنَّ الحرفَ الواحدَ – لاسِيَّما حروف العطف- لم يُنظَر إليها باعتبارِها فَواصل بَين مُفردتَي الطِّباق ، والثاني هُو اعتماد كتاب نَهج البَلاغة بِشرحِ الشَّيخ (مُحمَّد عَبده) وبتَحقيق ( مُحمَّد مُحي الدين عَبد الحميد) لاعتمادهِ في اغلبِ الدراسات الأكاديمية فيما يتعَلَّق بنصوص نَهج البلاغة ، وبعدَ هذا كله أرجو مِن اللهِ التوفيقَ فيما ذهبتُ إليه والُله هو المُستَعان .