العـراق بين ثقافتين ثقافة المجتمع المدني وثقافة العنف

Abstract

يأخذ العنوان دلالاته الواقعية برموزها وشعاراتها وامتداداتها التاريخية في العراق ومضاعفات الأزمة العضوية التي تلمّ به على امتداد حوالي نصف قرن بخاصة بعد اجهاض ثورة الرابع عشر من تموز وإشاعة ثقافة السلاح والعنف والموت التي نعيش ذروتها في العراق.
يصلح الموضوع لدراسات نقدية تحليلية يتولاها أهل الاختصاص في مراكز البحث العلمي والاكاديمي والمؤسسات الثقافية لأنها ذات جدوى مهمة على المستوى الثقافي الاستراتيجي في العراق ومنطقة الشرق الأوسط والعالم.
إن البحث في العراق قد تراجع إلى أبعد الحدود ولم يعد فاعلاً بل يعبر عن أزمة ثقيلة في عناصرها لأنه يفتقر إلى الحرية وتوافر الشروط العلمية المناسبة في البحث.
نحاول في الصفحات التالية فتح هذا الملف وقراءة أبوابه ومضامينه السياسية والاجتماعية والمذهبية كذلك، بالاستفادة من مراجع التأليف العراقية وكتب "المذكرات" والشهادات التاريخية لأسماء إما لأنها فاقت من غيبوبتها وشعرت بثقل المسؤولية وكأنها تبحث عن كلمة تخفف عنها وزر الأعباء التي حملتها في مواقع الحزب أو الدولة، أو لأن البعض منها كان يجد حريته في نشر آرائه المخطوطة بعد مماته!
وتظلّ في كل الأحوال نقطة ضوء ايجابية في نقد الذات والتجربة من أجل إعادة بناء الإنسان والمجتمع على أسس جديدة بعيداً عن تلك المخالب السوداء التي ماانفكت تنهش بالعراق والعراقيين وتعبث بشعارات طواها الزمن.
تعترض الباحث في الملف السياسي في العراق ظروف نشأة الدولة العراقية وقيام المؤسسة العسكرية بالتكوينات "القومية" التي احتوتها وصارت قاعدة دائمة لها في النزاعات والاستحواذ على العراق كله واستخدامها في حلّ الصراعات والخلافات بين القادة العسكريين وقمع حركات الاحتجاج والتمرد والانتفاضات الشعبية وظهور النزعة "الانقلابية" والتكتلات والعلاقات الشخصية و"المناطقية" ويمكن أن يكون العنصر "الطائفي" قد لعب دوراً مؤثراً في احتواء المؤسسة العسكرية والهيمنة عليها، بزجها في الصراعات السياسية ومسك زمام الأمور بيد تلك القيادات "القومية". فالبيئة الثقافية لاولئك الضباط القوميين كانت محدودة في إطار مناصبهم الوظيفية من خلال الثقافة العسكرية التي حصلوا عليها في مراتبهم العليا في الجيش العراقي وكذلك الدولة العثمانية أو من خلال انتماءاتهم الاجتماعية لعوائل "اقطاعية" وعشائرية، كانت لها امتيازات خاصة لدى بريطانيا باعتبارها احدى الدعائم الأولى والمهمة للاحتلال والنظام الملكي في العراق منذ نشأته وحتى اسقاطه في ثورة تموز الوطنية العام 1958.