الحَذْفُ والإضْمَارُ في النَّحْوِ العَرَبِيِّ ( دراسة في المصطلح )

Abstract

الخلاصة مِنْ دَقَائِقِ اللغَةِ، وَعَجِيْبِ سِرِّها، وَبَدِيْعِ أَسَالِيْبِهَا، أَنَّكَ تَرَى الجَمَالَ وَالرَّوْعَةَ تَتَجَلَّى فِيْ الكَلامِ إِذَا أَنْتَ حَذَفْتَ أَحَدَ رُكْنَيّ الجُمْلَةِ، أَوْ شَيْئاً مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهَا، فَإِنْ أَنْتَ قَدَّرْتَ ذَلِكَ المَحْذُوْفَ، وَأَبْرَزْتَهُ صَارَ الكَلامُ إِلَىَ غَثٍّ سِفْسَافٍ وَنَازِلٍ رَكِيْكٍ لا صِلَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا كَانَ عليْهِ أَوَّلاً . وَلَعَلَّ مِنْ أَهَمِّ دَوَاعِيِ الحَذْفِ عِنْدَ العَرَبِ هُوَ الإيْجَازُ والاخْتِصَارُ الَّذِيْ يُكْسِبُ العِبَارَةَ قُوَّةً وَيُجَنِّبُهَا الثِّقَلَ . وَيُؤَكِّدُ أَغْلَبُ النُحَّاةِ والبَلاغِيِّيْنَ أَنَّ بَلاغَةَ الكَلامِ وَدَلالاتِهِ على المعاني إِنَّما تَكْمُنُ فِيْ الحَذْفِ والإيْجازِ ، وَبِناءً على ذلكَ فَإِنَّهُمَا – عِنْدَهُمْ – أبْلَغُ مِنَ الذِّكْرِ وأَصَالَةِ الأُسْلُوْبِ . وَقَدْ عَقَدَ لَهُ النحاةُ والبَلاغِيُّوْنَ أَبْوَاباً وَاسِعَةً بَيَّنُوا مِنْ خِلالِهِا جَزَالَةَ الأسْلُوْبِ القُرآنِي وَإِعْجَازَهُ . وَقَدْ وَجَدْتُ فيْ هَذَا البَحْثِ أَنَّ النحاةَ وَالبلاغِيّينَ يُفَرِّقُوْنَ بَيْنَ الحَذْفِ والإضْمَارِ ، إِذْ ذَكَرَ "الزركشيُّ" أَنَّ الإضْمَارَ عِنْدَهُمْ يُطْلَقُ على ما يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ في اللفْظِ ، وَالحَذْفُ يُطْلَقُ على ما لا يَبْقَى لَهُ أثَرٌ في اللفظِ . وفِيْ الحَقِيْقَةِ، إنَّنِيْ لَمْ أجِدْ نحْوِيَّاً أَوْ بلاغِيّاً رَاعَى هذا العُرْفَ أَوْ الْتَزَمَهُ فِيْما يُجْرِيْهِ مِنْ تُوْجِيْهٍ ، أَوْ تأوِيْلٍ أَوْ إِعْرابِ جُمْلَةٍ ، بَلْ كَثِيْراً ما يُوْضَعُ الحَذْفُ مَوْضِعَ الإضْمَارِ ، والقَوْلُ نَفْسُهُ يَنْطَبِقُ على الإضْمَارِ وَهذا ما وَجَدْتُهُ سَائِراً فِيْ كُتُبِ الأقْدَمِيْنَ مِنْ نُحَاةِ أَوْ بلاغيينَ ، وبعدَ التَمْحِيْصِ والتَدْقِيْقِ في ذَلِكَ تَبَيّنَ ليْ أَنَّ أَكْثَرَ ألْفاظِ النحويينَ مَحْمُوْلَةٌ على التَجَاوُزِ والتَّسَامُحِ ، لا على وَجْهِ الحَقِيْقَةِ ؛ لأَنَّ مَقْصَدَهُمْ التَقْرِيْبُ على المُبْتَدِئِيْنَ ، والتَّعَلّمُ للنَّاشِئِيْنَ ، وهذا لا يَعْنِيْ في الوَقْتِ نَفْسِهِ أنَّهُمْ لا يُفَرِّقُوْنَ بينَ المُصْطَلَحَيْنِ كما فَهِمَ "ابْنُ مَضاءٍ القُرْطُبي" ، وَتَبِعَهُ في ذلكَ الدكتور "عبد الستار الجواري" مُلْتَزِماً رأيَهُ في كثِيْرٍ مِنْ بُحُوْثِهِ وَمَقَالاتِهِ . وَقَدْ جَاءَ بَحْثِيْ هَذا لِكَيْ يُبَرِّأ القُدَماءَ وَيُبَرِّأ ساحَتَهُمْ مِمَّا نُسِبَ إلَيْهِمْ ، وَقَدْ عَزَّزْتُ دِفاعِيْ عَنْهُمْ بِنُصُوْصٍ رَصِيْنَةٍ لا يَشُوْبُها غُبَارٌ ، أَوْ يَتَخَلَّلُها شَكٌ . أَسْألُ اللهَ أنْ ينَالَ بَحْثِيَ القَبُوْلَ والتَّوْفِيْقَ ، واللهُ مِنْ وَرَاءِ القَصْدِ .