العلاقات القانونية في القضاء الدولي وحالاتها -الأسبقية والتوازي والإحالة والتعارض-

Abstract

نتسائل أحياناً عندما نستمع لبعض الوقائع التي تحدث بين الدول في علاقاتها المتبادلة أو في إلتزاماتها أتجاه المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة أو المنظمات الدولية الأخرى مما يُلجِأ إلى تفعيل القانون لتوصيف النزاع وحله،عن الأحقية التي يمتلكها القضاء الدولي لحسمِ ما قد ينشأ من خلافاتٍ عن كل ذلك؟،فهذا مما تختلطُ فيه حججُ الدولِ ودفاعاتها فبعضها يَنكِرُ على القضاء الدوليّ التدخل معتبراً أن لقضائه الوطنيّ سلطة الفصل، فيما يَعترِضُ البعض الآخر على تطاول القضاء الوطني لإحدى الدول بحسمِ نزاعٍ لايملك حسمه سوى القضاء الدولي،وهكذا بين مُنكرٍ ومُعترض يُتركُ الأصل في حسم النزاع إلى التنازع على من يتملك سلطة الحسم فيه وهذا واقع دوليّ،ولأهمية هذا الموضوع وبالشفافية المجردة عن التشدد للدوافع الوطنية التي تبررها رؤيا الدول منعاً لتدخل الآخرين أو فرض رغباتهم في صورة قضاءٍ دوليّ،كما وبحياديةٍ عن الإنكار لقانونية المواقف التي يتخذها العمل القضائي الدولي وبعيداً عن المخاوف عن الإملاءات الدولية التي يصهر البعض فيها دوافعاً سياسية أكثر منها تحقيقاً للعدالة،وبما أن التساؤل ينطلق من صميم العلاقات الدولية لأننا نبحث في فض خلافٍ أطرافه دولية ،فمن الطبيعي أن ما يَعتَمُل قضاءاً يشير إلى أن فيصل الحزم لبعضٍ من ذلك أخذ يجد ملاذ حق الفصل فيه في القضاء الدولي،ولكن هل تُرتبُ الأحقية تلك للقضاء الدولي أن يكون هو المتصرف الأول والوحيد دون مخولٍ أو منازع في قضايا الفصل؟، وهل جميع مايعرض عليه لايندرج تحت تصنيف؟،أم هنالك تصنيف يَتهيأُ للقضاء الدولي بموجبه أن يُدخِلَ ذاته هو الآخر فيه ليفيه حق المعرفة بما يُعرض عليه مفرقاً أياها عن غيره (عادي وجنائي)؟،ثم ملائمة صنف الخلاف لصنف القضاء فيه قانوناً، وبالتالي الوصول إلى حكمٍ من المُصَنف لجنس صنفه،ومن هذا الموضع وبكيفية التصنيف والملائمة، تستطيع الدول صاحبة الشأن بين الإدعاء بحله وطنياً والمعارضة لحسمه دولياً وإختلاف قضاء حسم الأخير ذاك بين عاديّ وجنائيّ،معرفة مالها وما عليها بالتوثق من الأسانيد القانونية التي تبرر للقضاء الدولي أن يجزم بسلطته في نزاعٍ ما دون الريبة في دافع التدخل فما كان أساسهُ القانون سَقَطَ عنه ما يُبطِله .وتجرداً عن الإقرار بأحقية هذا القضاء أو غيره وإلزامية تلك الأحقية ليكون أي القضائين صاحب السيادة والنفوذ في ثائرة النزاع، ولأن ماحددنا دائرة البحث فيه هو القضاء الدولي،ألزمنا ذلك إستقراء أدوارهُ المؤداة ومدى فاعليته وصنفه من الناحية النظرية والعملية، فوجدنا أنه ومن خلال دوره في فض النزاعات العادية للدول، قد منحنا صنف القضاء الدولي العادي ( ).كما أَستحدث له دوراً أخر جاء نسقاً متسقاً لوقائع دولية أتت بأحداثها باآثارٍ مؤلمةٍ على الإنسانية في فترة زمنية متقاربة فكانت من المؤثرات(جرائم دولية ( ))،والتي لم يُغفر لسواها مما حدث سابقاً السكوت عليه أو التماهل في ردعه( )،هذا على حد ما قيل من مبررات لإنشاء وسائل الردع تلك على عجل للمعاقبة على (جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وجريمة العدوان)،فأُنشأ قضاءٍ دولي جنائيّ يتولى إنصاف الإنسانية ممن سببوا لها المعاناة بجرائمهم بإعتبار أن تلك الجرائم هي المحرك لمسؤولية الأفراد،مما يجعل من سلوكهم الجنائي من المحرمات في إطار القانون الدولي العام لمساس الجريمة بالنظام العام الدولي( )،والذي تمثل بالمحاكم الدولية الجنائيـة( ).صنفا القضاء الدولي،القضاء الدولي العادي والقضاء الدولي الجنائي وفاعليتهما،جعلانا نحاول أن نجد لإنفسنا المعرفة الدقيقة والصحيحة لتفسير لماذا يكون القضاء الدولي العادي أو القضاء الدولي الجنائي هو صاحب الإختصاص وبحسب النصوص القانونية الفاعلة في نزاعٍ ما دون مثيلهِ أو موقفٍ ما دون نظيره ؟،وهل هذا من مطلق حكم الإختصاص فيهما أم هناك تبادل في الأدوار لبعض ما هو من إختصاص القضاء العادي أن يفصل فيه القضاء الجنائي على المستوى الدولي طبعاً بالنسبة للقضائين،أو عكس ذلك إختصاصاٍ وفصلاً ؟،وكذا بالنسبة لجامع الصنفين كيف يصف لنفسه سيادة الفصل هل لمبدأ مطلقٍ له بتلك السيادة أم أن الأمر ليس فيه أي إطلاق،فمن يُمنَح مجال الأختصاص له أن يستأثر به لذاته،ومن يوصد أمامه ليس له إلا أن يستكين لإمره،وما هي العلاقات القانونية التي توجر القضاء الدولي العادي أو القضاء الدولي الجنائي وتمده بالوسائل القانونية ليتفاعل مع نزاعاتٍ معينة أو مواقف ما دون أخرى ؟،وماطبيعة تلك العلاقات هل تنحصر فقط في حالتيّ الإحالة لإحدهما على الآخر؟، أم أن التعارض بينهما يفضي لإنفاذ وتنفيذ قواعد أحدهما تطبيقاً يسمو به على الآخر؟. ومن البحث في هاتين الحالتين وجدنا أن هناك حالات أخرى لم تأتِ على سبيل الإحالة أو التعارض إذ تمثلت بحال أسبقية أحدهما على الآخر،على أننا لانقصد هنا الإنتقاص من الدور الذي باشرته محكمتيّ القضاء الدولي الجنائي (يوغسلافيا ورواندا) فالأسبقية جاءت فيهما بصورة الأستثناء لتذكية دورهما القضائيّ دولياً ،ولكننا نحاول الإشارة لبعض عيوب تطبيقه ولإهمال الإشارة إلى تطبيقه فعلاً في القضاء الدولي العادي،وفي حالٍ أخرى توازيهما وهو مالم نشهد له إفرادٌ يوضحه أو تمايزٍ يستذكره ،وبذلك أخذنا نتطلع للقضاء الدولي بصنفيّه في علاقتيهما وعلاقتهِ بأي قضاءٍ آخر، هل هي أسبقيتهما على بعضهما وعلى الغير بفيصل الحسم ؟،أم أنهما يتوازيان في كل ذلك مع بعضهما ومع الغير ؟، أم لأنه ماكان الإعمال لهما إلا من بعد الإحالة إليهما ؟،أم أنهما يُؤثران ذاتيهما عندما يُحكمُ بحكمٍ يعارضهما الغير فيه فيرتبان لحكمهما موضع العلو على الحكم المعارض ؟، وكمنهج أرتأينا أتباعه في تقدمة بحثنا هذا وجدنا أن مسار البحث لم يختزل ذاته في حالات حصرية ، بل أمضى بنا بخطاه لمواجهة طبيعة العلاقة التي من الممكن أن تكون السر لتفعيل وعمل القضاء الدولي بصنفيه الفاعلين حالياً لمواقف دولية ليس من بديل عنهُ لحسمها لإن تولية أمر حسمها لقضاءٍ غير دولي لن يكون ذا نتائج مرضية ،على أن من سيكون متطلعاً لبحثنا متفحصاً وباحثاً معنا لما جاء فيه سيجد أننا أدرجنا في صلبه البحث في حالات ذات مفاهيم ومدلولات تغايرت مع بعضها البعض وهو ماقصدنا أن ندخله على دراستنا البحثية لنكون في مجمله نشير إلى طبيعة جميع العلاقات القانونية في حياة القضاء الدولي، فمن تغايرمفاهيمها وإختلاف مدلولاتها سيتسنى لنا فعلاً تقديم دراسة نعدها شاملة لما نبغي البحث فيه ليكون شاملاً في دراسته لأغلب مايخص القضاء الدولي ولذا اتصف البحث ببعض الخصوصية في جمع المتغاير والمختلف للكشف عن بعض أوجه التجاذب والإلتقاء، ونرصد في ذلك مانجده حقيقةً تجسد مانرمي إليه. فلو تصفحنا سجل القضاء الدولي ممعنين النظر في بعضِ علاقته بالقضاء الوطني وأن كان الأمر غير مفصلٍ فيه على أكمله، وفي كل علاقتهِ قانوناً ببعضه بعضاً على تفصيلٍ نأمل فيه الإحاطة والدقة،لأرتسم لنا فيه أن القضاء الدولي بصنفيه له في هذا المضمار علاقاتٍ قانونية أو حالاتٍ أربع سنتابعُ مشروعيتها وأسانيدها القانونية في المباحث الأربع الآتية :-المبحث الأول :- علاقة الأسبقية قانوناً في القضاء الدولي وحالاتها .المبحث الثاني :- علاقة التوازي قانوناً في القضاء الدولي وحالاتها.المبحث الثالث :- علاقة الإحالة قانوناً في القضاء الدولي وحالاتها.المبحث الرابع :- علاقة التعارض قانوناً في القضاء الدولي وحالاتها .