الحوار العربي الاسلامي مع شرق اوربا وتأثيراته من خلال رحلة أبي حامد الغرناطي

Abstract

أوضح البحث أثر بلاد البلغار الواقعة على نهر الفولجا في نشر الإسلاموالحضارة العربية الإسلامية، وكان للرحلات العربية الإسلامية أثرها المتميز في نقلالمؤثرات العربية الإسلامية إلى تلك الأصقاع النائية، فضلاً عن دور التجار العربوالمسلمين. وتعد رحلة ابن فضلان التي قام بها سنة 309 ه إلى بلاد البلغار رسولاًمن قبل الخليفة العباسي المقتدر بالله، مرجعاً لا نظير له في الأهمية ألقت أضواءً علىالمرحلة التي زار فيها تلك البلاد، استجابة لطلب ملك البلغار، وكان إسلام البلغارالذي سبق هذه الرحلة حدثاً عظيماً في تاريخ المنطقة، لأن حوض الفولجا الأوسطتحول إلى قطر إسلامي بعدها.انتشر الإسلام في بلاد البلغار على المذهب الحنفي، وهو مذهب الخلافة العباسيةومذهب معظم أتراك آسيا الوسطى، ودخلت دولة البلغار في حوزة الحضارة العربيةالإسلامية مطلع القرن الرابع الهجري. ولما كان الإسلام يحمل نظماً حضارية راقية،فإن اعتناق البلغار له جعل منهم أكثر شعوب أوربا الشرقية حضارة، مما أدى إلىزيادة الصِلات بين البلغار والعالم الإسلامي في شتى المجالات، وصارت بلغارممثلة للإسلام في شرق أوربا، فأُنْشِئت المساجد وأسس القضاء وانتشرت الأسماءوالكلمات العربية انتشاراً واسعاً.وبعد أكثر من قرنين على رحلة ابن فضلان زار شرق أوربا ومنها بلاد البلغار،الرحالة العربي أبو حامد الغرناطي منطلقاً من بغداد، ووصل إلى بلغار سنة 530ه، وكان دوره متميزاً في تعميق مبادئ الإسلام، وتصحيح كثير من الأمور المتعلقةبالدين خلال رحلته التي شملت بلاد الخزر والصقالبة )الروس( والباشغرد، والتقىبآلاف العرب المسلمين في تلك الأصقاع من أبناء المغاربة وأهل بغداد ومكة، فكانيُعلمهم أصول الدين والشرائع والمواريث، وبذلك استمرت الصِلات بين بلادالبلغار والدولة العربية الإسلامية، وأدى ذلك إلى امتداد الإسلام في مناطق نائيةونقل الكثير من المؤثرات العربية الإسلامية إليها في القرون المتأخرة.وهكذا نستنتج الدور الكبير والمتميز لمدينة بغداد بصورة خاصة والعراقبصورة عامة في المجال الحضاري والرقي العلمي والفكري، وذلك يعكس هيبةالخلافة العباسية وقوتها في الخارج، فالتطور الحضاري الهائل للمجتمع العراقي تمثَلَفي بعثة ابن فضلان ومن تبعه، في حين كانت المجتمعات التي زارها أدنى درجة فيالتطور والرقي، وبذلك نجحت محاولات العراقيين في تلك البلدان في إيصال معالمالفكر والتربية العربية الإسلامية إليها، والتي هذَّبت وغ تّري الكثير من الطبائعوالتقاليد البالية السائدة في تلك المجتمعات، وحلَّت محلها قيم ومبادئ العربوالمسلمين الحضارية، مما كان لها تأثيراتها وبَصماتها الواضحة على تلك المجتمعاتفي المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحضارية، المتمثلة بتأسيسالمساجد والكتاتيب والحصون ونظام القضاء وسك العملة وانتشار الأسماء العربيةالإسلامية بين السكان اعتزازاً بالدين الإسلامي الحنيف.