Interpretative criticism of Sayyed Mohammed Mohammed Sadeq al-Sadr

Abstract

لقد انطلقت فرضية هذا البحث أصالة من جانب النقد التفسيري للسيد الصدر على نص تفسير الميزان، ونعني بالنقد التفسيري هو عملية توجيه الرأي التفسيري غير الراجح - من منظور الناقد - إلى ما هو أرجح منه استناداً الى قوة الدليل وبيان الحجة المشفوعة بالمسلك المنطقي الذي يُغلِّب الأرجح على ما هو راجح؛ وتأسيسا على هذا المنطلق رصد السيد الصدر جملة من الوجهات التفسيرية في نص الميزان فانعم النظر فيها قارئاً اياها قراءة معمقة فوافق بعضها وسدد بعضها الآخر من منظوره الاجتهادي، من هنا كان لابد من ان نُشخِّصَ المنهج الذي اتبعه السيد الصدر في هذا المسار النقدي، مع بيان المقررات القواعدية التي اعتمدها في هذا الاتجاه، فضلا عن استظهار مديات توافق توجيهه النقدي والحقيقة التفسيرية التي يمكن ان يتقبلها النص اكثر من غيرها.لقد كان الخطاب الالهي المعجِز وما زال مشغلةً لعُلماء التفسير ومُنظِّري علوم القرآن وأرباب علم الأصول وفقهاء الاستنباط الشرعي كما كان مثاراً لعقول مقعِّدي النحو العربي ومتذوِّقي جماليات الخطاب الإبداعي وفنون القول المميز مِن البلاغيينَ وسواهم أولئك الذين أولِعُوا بالنص فاستحوذ على جهودهم وتعمّق في أغوار نفوسهم؛ ذلك بان هذا الانشغال منبثق مما تملَّكه ذات النص من خصوصيات تميزه من غيره وتمنحه سمة الافتراق عن أي نصِّ ابداعي انتجته خلاصات العقل البشري؛ اذ لابد للنص القرآني من فوارق جوهرية ومفارقات خطابية تجعل منه نصاً معجزًا ذا أصول فارقة، وكان من بين أكثر ما يمنح هذا النص السماوي صفة التميز وأجلى ما يمكن ان يضع حداً فاصلاً بينه وبين أيِّ نصٍّ جمالي آخر خصوصيتان هما خصوصية الانفتاح الدلالي وخصوصية الخروج الزمني، فالنص المقدس نزل في مدة زمنية معينة بيد أنه قد تحرَّر من نطاق ذلك القيد الزمني ليُساير كلَّ الأزمنة ويسير مع كلِّ زمن في الوقت الذي هو فوق كلِّ زمن، وهذا المقال إنما يُساق بلحاظ الخصوصية الأولى للنص وهي قابيلته على الانفتاح المضموني؛ اذ تحدى النص القرآني عقول البشرية وطالبهم بأن يناظروه بيد أنهم لم يستطيعوا ذلك ولم يكادوا هذا على منحى التحدي اما على منحى الانتهال المضموني فإن النص كان ومازال خطاباً ثابت المبنى متحرك المعنى فمهما ارتشفت منه العقول من دلالة او فهم مضموني يبقى النصُّ فوق مستوى الاستقاء الدلالي وإن اجتهد العقل في ذلك؛ لان النص يمثل أعلى درجات العمق الدلالي والبعد الغائي قياساً الى عقول البشرية، فالعقل مُحدَّد وإن أثمر وأنتج، والنصُّ مطلقٌ وإن استُفِيدَ منه معنى ودلالة، من هنا كانت ثمة علاقة جدلية بين العقل (المـُستَثمِر الدلالي) وبين النص (ميدان الاستثمار وموئل الجُهد العقلي)، وكلّما تقدم مستوى العقل استحصل بفعل مُستجداته العلمية وموارده الفكرية العالية معنىً جديداً من النص لم يُعرَف من قبل؛ لأن العقل يقرأ النص زمنياً بعوامل تراكم المعرفة وموارد الوافد العلمي عليه، بيد أن هذه القراءة تبقى محدودة من حيث انحصارها بنطاق زمن الاجتهاد الذي أبدع فيه ذلك العقل تلك الدلالة المقروءة من النص، وتأسيساً على هذا تبقى (الدلالة) رهينة الزمن؛ ولما كان النص خارجاً عن نطاق الزمن كانت الدلالة المـُستحصَلة منه لا تمثل النطاق النهائي لمديات النص المضمونية؛ لأن النص مدى لا حُدود لمساحته ولارؤيا لحدوده البتة.