السلطة القضائية في العهد النبوي

Abstract

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد ...فقد خلق الله البشر وأودع فيهم الكثير من الميول والغرائز الفردية والاجتماعية، ولا يستطيع الإنسان أن يعيش وحده. فهو بحاجة إلى غيره، كما وان غيره بحاجة إليه، إذ لا حياة للناس إلا باجتماعهم وتعاونهم على ضرورات حياتهم، وكثيرا ما يفضي ذلك بباعث الإيثار وحب الذات إلى الخصومة والتنازع، ولذلك فلا بد أن يكون هنالك فاصل يفصل بين الناس في الخصومات والخلافات ألا وهو القضاء والقاضي أو الحاكم .فالقضاء ضرورة إجتماعية في حياة كل أمة،إذ لو لم يكن هنالك رادع لكبح ظلم القوي على الضعيف لاختل النظام ولعمت الفوضى،ولتغلب الباطل على الحق،يقول الله سبحانه وتعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً( ). ويقول جل شانه: وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ( ).والقضاء في العهد النبوي يمثل الأسس التي قامت عليها دعائم القضاء الإسلامي، ثم نمى القضاء في العهود التالية واتسع نطاقه بالتطبيق العملي الذي يستند إلى تلك الدعائم، حتى استكملت النظم القضائية جوانبها المختلفة باجتهاد الفقهاء، وما استنبطوه من أقضية رسول الله () وما كان في عهده من وقائع قضائية، وهذا يعطي للقضاء في العهد النبوي أهمية بالغة تستوجب العناية بدراسته وتحليله، باعتباره العهد التأسيسي للقضاء الإسلامي، والسند الشرعي الثاني الذي انبثقت منه النظم القضائية، في رفع الدعوى، وإجراء المحاكمات، وصدور الحكم وعمل المجتهدين، في أي عصر يجب أن يكون في ضوء النصوص التي ثبتت عن رسول الله () قولا أو فعلا أو تقريراً .ومن هذه الأهمية رأيت من الضروري أن أكتب في هذا الموضوع وأركز عليه، علماً أن النظام القضائي في العهد النبوي لم يحضَ بالدراسة والبحث كسائر عناوين القضاء في العهود التالية له إلى يومنا هذا، بل يذكر كمقدمة أو تمهيد لتلك البحوث والدراسات.