مختارات من الوثائق النبوية ( دراسة تحليلية )

Abstract

شهدت الفترة التي تلت الهجرة النبوية الى المدينة وضع الأسس العامة للدولة ومؤسساتها . وذكر المؤرخون بعض الصيغ للعلاقات العامة بين المسلمين من مهاجرين وأنصار من جهة وبين اليهود الذين كانوا يسكنون أطراف المدينة من جهة أخرى . ووردت رسائل بين النبي (ص) وقريش ، وبينه وبين بعض القبائل العربية ، وأرسلت الكتب الى الملوك والحكام المعروفين في ذلك الزمان ، وبلغ ما وصل إلينا من كتب النبي (ص) ورسائله وعهوده حوالي (316) كتابا ورسالة . وتمخض ذلك كله عن شبه ديوان لكتابة الرسائل والمواثيق والعهود . وكان يكتب للنبي جمع من الصحابة ، منهم على ما ذكر اليعقوبي : علي بن أبي طالب (ع) وعثمان بن عفان (رض) ومعاذ بن جبل (رض) وزيد بن ثابت (رض). كان هؤلاء يكتبون للنبي (ص) كتبه ورسائله ومواثيقه وعهوده فضلاً عن القرآن الكريم .
ولو بحثنا عن مصادر الرسائل النبوية في التراث لوجدناها متفرقة في كتب التأريخ والسَّير والتراجم ومجاميع الأحاديث وكتب الطبقات والأدب وغيرها ، كصحيحي البخاري ومسلم والمسند للإمام أحمد بن حنبل وتأريخ الرسل والملوك لابن جرير الطبري وسيرة ابن هشام والأغاني لأبي الفرج الأصبهاني والكامل في التأريخ لابن الأثير وصبح الأعشى للقلقشندي وبحار الأنوار للمجلسي وأعيان الشيعة للسيد محسن الأمين العاملي .
والناظر في مجمل الرسائل النبوية يجد أنها تنقسم من حيث الخصائص التأريخية والموضوعية الى دورين ، الدور الأول : في السنين الأولى من هجرة الرسول (ص) الى المدينة ، وتتصف فيها الرسائل بخلوها من التأريخ، وأغلبها ذات صبغة سياسية تنصب على الارتباط بعهود الدفاع والمناصرة مع القبائل تجاه قريش ، ولذلك نلاحظ خلوها من أية إشارة الى الإسلام أو دعوة إليه إلا ما ذكر من كتب بعثها النبي (ص) الى الملوك والحكام وشيوخ العشائر من العرب وغيرهم .
الدور الثاني: في السنين الأخيرة قبيل وفاته (ص) ، وامتازت فيها الرسائل النبوية بالدعوة الى الإسلام، وفرض الجزية على من أبى ذلك من أهل الكتاب ، وفرض الزكاة على القبائل التي حالفت على الإسلام ، وإرسال العمال والأمراء على الصدقات .
ونكتفي بدراسة النصوص الآتية ، وهي بعض كتبه الى الملوك ، وكتاب صلح الحديبية ، وجميعها تمثل وثائق مهمة في التراث سواء من حيث الصفة التأريخية أم من حيث وضع الأسس العامة للكتابة العربية كالافتتاح بالبسملة، وتقديم اسم المرسِل على اسم المرسَل إليه، والختام ... الخ. وينبغي الإشارة الى أن الرسائل النبوية وكتب المواثيق والمعاهدات قد وردت في المصادر باختلاف بعض الألفاظ والعبارات ، وقد تتداخل رسالتان في نص واحد. ونبهنا في ذيل كل رسالة على أهم المصادر التي وردت فيها إتماما للفائدة .