المعنى عند عبد القاهر الجرجاني في ضوء فكرة التواصل

Abstract

خضعت معالجات الشيخ عبد القاهر الجرجاني لمسألة المعنى إلى تأثيرات المقولات الكلامية الإسلامية السائدة في عصره ، فضلاً عن الأساس المذهبي الأشعري الذي يؤمن به , ومجموع تحصيله المعرفي في اللغة والأدب ونقدهما . فهو ينطلق مبدأ الاختلاف مع المعتزلة التي روجت لفكرة خلق القرآن , فيرد بطرق مختلفة في الشكل والموضع ، لكنها تشترك من ناحية عدم المباشرة أو التصريح . وتتفق في التمسك بفكرة ( الكلام النفسي ) . ويقصد من ذلك أن الله سبحانه وتعالى أضمر كلامه العزيز في ذاته الجليلة ، فهذا الكلام قديم بقدم الذات بل هو توحّد بين الذات والمعنى فالقرآن الكريم قديم ، وليس مخلوقاً مستحدثاً أن كل مستحدثٍ فانٍ . وإن المتلقين مختلفين في فهم الرسالة ، لأنّ الرسالة واحدة والمتلقين أو المرسل إليهم متعددون فيختلف ـ بحسب قدراتهم ـ فهمهم للنص ، وبذلك يمكن رسم سلسلة كبيرة من مشهد التواصل (( المرسل { الله سبحانه } / الرسالة / المرسل إليه 1 + المرسل إليه 2 + المرسل إليه 3 .... )) . ويمكن أن ينظر إلى المسائل البلاغية من المنظار نفسه فالمعنى هو المكون للتركيب والموجه له بحسب الإرادة الإلهية ، ولا يمكن تكرار هذا المعنى في شكل لفظيٍّ آخر غير الذي اختاره الباري عز وجل ، فتكمن فكرة الإعجاز في المعنى المتشكل بالصور ، فلا يتقبل عقلاً أن يأتي المعنى بشكلٍ لغويِ آخر ، والألفاظ خدم للمعاني ، والفصاحة ليست صفة ثابتة في اللفظ ، فالمسألة الجمالية عملية ديالكتيكية متغيرة بحسب عملية الإرسال والتلقي . ويستند الشيخ عبد القاهر الجرجاني إلى فرضية علمية لفهم الظاهرة ، ويقدم تفسيراً لها بعد قهم سرّها وكينونتها ، وهو يعيب على المعتزلة وعلى الجاحظ بخاصة لإصدارهم أحكاماً مستعجلة لا تستند على فكرة علمية واقعية ، لاسيما قضية الميل نحو التشكيل اللفظي ، وإسقاط أمر المعنى ، وتركوا أحد أطراف عملية التواصل ، فقال (( وأعلم أنهم لم يبلغوا في إنكار هذا المذهب ما بلغوه ؛ إلاّ لأنّ الخطأ فيه عظيم ، وأنّه يقضي بصاحبه إلى أنْ ينكر الإعجاز ، ويبطل التحدّي من حيث لا يشعر )) . ويجمع عبد القاهر الجرجاني المسألة الكلامية في ضوء عملية التواصل بالمعرفة التي يحكمها العقل وينظمها العلم . فيركن إلى علم النحو الذي يستكنه تراكيب الجمل ، ويمتد ذلك إلى الفنون البيانية بأقسامها المتنوعة ، ويضع مسألة تحديد المعنى والوصول إلى حقيقته بيد المتلقي الحاذق الذي يستطيع بعلمه بأسرار التراكيب والإسناد ومعانيه أن يبلغ المعنى الذي يقصده المرسل . ويستطيع بهذا العلم أن يفسّر سر جمال الصورة , كما يميز الحاذق خاتم من خاتم وسوار من سوار ، وكلها مصنوعة من معدن واحد ولكن الصانع ليس واحداً . ولذلك يمهد الجرجاني سبيل المعرفة الإلهية بأسلوب علمي عن طريق معرفة الحقيقة الحافة من فهم النص القرآني المقدس .