Contemporary critical trends in the Usuli thought

Abstract

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين.وبعد..يُعدّ علم أصول الفقه من المعطيات الفكرية المتميزة في الأمة الإسلامية لما يرسمه من قوانين لاستكشاف أحكام الشرع الحنيف في ضوء منهج البحث الفقهي، ولذا فهو يمثل القانون الذي يعصم ذهن المجتهد عن الخطأ في الاستدلال على أحكام الشرع من طرقها التفصيلية, ويرتبط منهج أصول الفقه بالواقع الفكري المعاصر لتلازمه مع الفقه وارتباط الفقه بالواقع المعاش، لما له من وظيفة مهمة زيادة على البحث في الأحكام الشرعية الفرعية المسجلة سابقاً من جهة اختلاف الاستدلال, ويتصور ذلك بالبحث في مناطات الأحكام الشرعية من أجل تنزيلها منازلها, عن طريق ملاحظة ما يستجد من حوادث وتطورات. ولاسيما مع انفتاح العالم الإسلامي على الحضارات الأخرى؛ وذلك مما حداببعض المفكرين الإسلاميين إلى تبني قراءة جديدة لعلم أصول الفقه من أجل إيجاد معالجة "إشكالية المنهج" في الفكر الإسلامي المعاصر, واستنتاج وتأسيس أسس يبتني عليها قوام نظرية العلم، وتبديد العمى المعرفي؛ لذا صار نقد منهج أصول الفقه من أهم الإشكاليات الفكرية في العلوم الإسلامية، لأنه يشكل خطوة أولية للخوض في النظر في المستحدثات الفقهية، مع الحفاظ على أصوله الثابتة, وكذلك في مسائل تفسير النص من القرآن الكريم والسنة الشريفة.وقد تناول المفكرون المعاصرون منهج الأصول التقليدي بالنقد لما لاحظوا أن بعض مباحثه نظرية متقوقعة في مسائل علم الكلام والفلسفة, ولا تواكب التطورات في علم اللغة, متجردة عن لحاظ التغيرات الاجتماعية عند صياغة القواعد الكلية التي تتكفل باستنباط الأحكام الشرعية الفرعية. وقد ظهرت في العصر الراهن تيارات واتجاهات فكرية متعددة، بدعوى تغيير المجتمعات وتطوير العلوم الشرعية، وتوسيع باب الاجتهاد بملاحظة مقتضيات التطورات التقنية وما يرافقها من تداعيات, باستخدام معطيات العقول.ومن ذلك يُلحظ أن مشروع الخطاب النقدي لعلم أصول الفقه أخذ يسير باتجاهات ثلاثة, فمنها ما هو حديث مستعار تأثر بالمستورد من الأفكار, ومنها ما هو سلفي توقيفي, ومنها ما هو إصلاحيّ.إذ استوحى بعضهم أفكاره النقدية متأثراً بحداثة الغرب, وقد يتسم هذا الاتجاه بسمة تبعيّة؛ كإدخال ألفاظ حديثة مستوردة, متذرعاً –هذا الاتجاه- ببعض دلالات النصوص الشرعية التي توحي بفتح أفق الاجتهاد, وأن ثبات النص لا يلغي ما في مضمونه من حركية، وأنه يختزن مضموناً حيّا لا تحده حدود الزمان والمكان, ليدعو في ضوء ذلك إلى إلغاء الثوابت. وقد تزمّت اتجاه آخر للنص والتزام طريقة السلف, حذراً من الانجرار خلف الأفكار الجديدة, متذرعاً ببعض النصوص التي يمكن أن يفاد منها الإبقاء على ما استقر من معارف والمنع من إدخال الجديد.في الوقت ذاته هناك اتجاه متوسط ينظر إلى قضية نقد المنهج الأصولي بوسطية واعتدال, في محاولة لمواكبة الواقع المعاش من جهة, والحفاظ على روح النص وصيانة الهوية الإسلامية وصيانة كيانها عن كل زيغ, في توجه إصلاحي لا ينأى في ذلك عن النص الشرعي, من جهة أخرىولمّّّّا كانت قضية نقد منهج أصول الفقه مهمة تدور بين الضرورة والمنع, وبين النظر التوفيقي المتوسط, تمثلت في اتجاهات: الأول؛ وهو القائل بضرورة نقد منهج علم أصول الفقه من ناحية الهيكلية والمضمون معاً. والثاني؛ يُفند صحة الدعوة إلى نقد علم أصول الفقه، ويبطل أية محاولة في هذا الاتجاه. أما الثالث فهو يحاول أن يوفّق بين الموقفين السابقين المتعارضين. فهو لا يقول بنقد أصول الفقه ككل، ولا يرفض تجديد أصول الفقه رفضا قاطعاً. ولأجل التأمل والنظر في هذه الاتجاهات وعرض جملة من أفكارهم, ومناقشة بعضها, وملاحظة مدى تأثيرها على منهج أصول الفقه, إيجاباً أو سلباً. جاء هذا البحث على ثلاثة مباحث: المبحث الأول: ضرورة النقد والتجديد. المبحث الثاني: ثبات المنهج. المبحث الثالث: التفصيل والتوسط. ليقف على أهم ما في هذه النقود ومعالجتها بعد تشخيص غير المخلّ بالثوابت من غيره. وما هو ممكن التطبيق الذي يصب في تطور هذا العلم خدمة للدين الإسلامي الحنيف.نسأل الله تعالى أن يتقبل منا هذا الجهد المتواضع, ويغفر ما فيه من زلة أو شطط, فالعصمة لأهلها.والحمد لله رب العالمين.