المدارس الحديثية في العراق في القرنين الأول والثاني الهجريين

Abstract

احتل علم الحديث الشريف مكانة عظيمة في العالم الإسلامي وانتهج رواته مناهج متعددة في تثبيت مصطلحاته وإرساء قواعده وتحديد حدوده وبيان خصائصه وتفصيل رواته وكانت للمدن أثر في صقل شخصية الرواة وتحديد مناهجهم الحديثية فعلى أثر ذلك نشأت لكل مدينة مدرسة خاصة بها ولم تكن المدارس حينذاك متعارفا عليها كما هي اليوم ومنذ انطلاقة التعليم في الإسلام، وفي الحرم النبوي الشريف كان النبي k يجلس ويتحلق الناس حوله حلقات فيسمعون القول ويتبعونه وكانت أحاديثهم يتلقاها المتلقون وكان هؤلاء ينفرون إلى بقاع الأرض ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا ذهبوا إليهم فتفرقوا في الامصار والحواضر الإسلامية: البصرة والكوفة والشام وواسط ومصر وغيرها من الحواضر الإسلامية الأخرى حيث اغترف الكثيرون من بحار علمهم فألفوا أصولا وكتبا وكونوا تلاميذ ورواة واستطاعوا أن يحققوا وينشئوا مدارس من جراء ذلك لتوافر المقومات الثلاثة (الطالب والأستاذ والكتاب) ويوضح بعض الباحثين معناها بقوله:(فليست المدرسة إلا استاذا مؤثرا وتلاميذ مؤثرين وقد اجتمعوا على تحقيق أثر واحد ونهجوا للوصول اليه منهج واحد)( ).
وعليه فمنذ أن نشأت الأمصار الإسلامية أبان عصر الإسلام الخالد نشأ فيها مسألة طبيعية مدارس للرواية وللحديث الشريف على اعتبار أن الحديث ثاني مصدر في التشريع الإسلامي ويشكل القسم الأكبر لميراث الأحكام الفقهية والأخلاقية والعقائدية فالدين الإسلامي قرآني المبدأ حديثي التفصيل. فالحديث الشريف مفصلا ومطبقا ،مفسرا ومبينا، ومعللا للآيات القرآنية.
نشأت في العراق مدن إسلامية عريقة كان أولها البصرة وثانيها الكوفة وثالثها واسط خلال القرن الأول والثاني الهجري ، فارتأيت بعد أن درست مدرسة الكوفة الحديثية في أن أقارن بين المدارس الحديثية الثلاث في حدود تلك الفترة الزمنية الواحدة هي القرنين الأول والثاني الهجريين للتعريف عن سمات كل مدرسة واتجاهاتها لمعرفة الاتفاقات والاختلافات بين المحدثين في الأمصار على الرغم من صعوبة احتواء الكتب التي اعتنت بالحديث الشريف وتاريخه أن تبلور مدرسة حديثية مستقلة ولكننا حاولت جاهدة أن اقارن بين المدارس الحديثية في البصرة والكوفة وواسط لتبني الاختلاف في الرؤى ورفض وقبول الاخبار وشروط ومقاييس قبول الرواية والتعرف على مفاصل دقيقة في كل مدرسة حديثية مسوغة لها مادة علمية ومنهجية تناولتها الجامعات الإسلامية تحت عنوان (مدارس حديثية) زيادة على ذلك إن هذا المنهج يعطي المطلع عليه انطباعا كاملا عن رواية كل مدرسة واسانيدها التي تلقي الضوء على معرفة العلل الحديثية والكشف عنها إذ تحتاج إلى الماهر الخبير في ذلك الفن ، ولعل المهارة والخبرة تنطلق من الاطلاع على هذه المدارس وتسهم اسهاما واضحا للكشف عن علل الحديث واسبابه.
وقد تكون البحث من مقدمة وتمهيد تطرقنا فيه إلى التعريف بالمدرسة والتعريف بالحديث الشريف بشكل مختصر وضم ثلاثة مباحث،أمّا المبحث الأول فتحدثت فيه عن نشأة المدارس الحديثية الثلاث، والمبحث الثاني فقد تناولت فيه اسماء اساتذة المدارس واسماء التابعين والرواة وتطرقنا في المبحث الثالث إلى دراسة اهتمام المدارس بعلوم الحديث المختلفة وتناولنا فيه رواية الحديث بالمعنى وطرق تحمل الرواية.ثم كانت الخاتمة التي ذكرت فيها أهم ما توصلت اليه من نتائج، ومن ثم ذكر المصادر والمراجع.