فلسفة الحرية في الثورة الحسينيَّة الخالدة

Abstract

والآنَ آنَ للـقـلـمِ أنْ يتوقَّفَ بعـدَ أَنْ عِشنا تـلـك اللَّحظاتِ الرُّوحيَّةَ الإيمانيَّـةِ الممتعةِ التي نستمدُّهـا من شُعاعِ تـلـكَ الـشَّـمـسِ السَّاطعةِ في دنيا الإنسانيَّـةِ، ونقـتـطـفُ ثمارَها من تلكَ الشَّجرةِ المباركةِ الطيِّبةِ، هـذا ما يشعـرُ بهِ كـلُّ باحـثٍ وهـو يتأمَّـلُ سيرةَ أبي عبدِ اللهِ الحسينِ a وثورتِـهِ الخالدةِ، فكانَ رفضُـهُ حياةَ الـذلِّ والهـوانِ رسالةَ العـقـلِ الواعي وتُرجمانَ الضميرِ الحيِّ وخَـفَـقَـانِ القلبِ السَّليمِ، فكانَ مدرسةً خالدةً لكلِّ الأحـرارِ الذينَ ينشدونَ الحريَّـةَ الحقيقيَّـةَ ويرفضونَ العبوديَّـةَ لغيرِ اللهِ جلَّ جلالُهُ، ولو سارَ الإنسانُ على خُطى هذهِ المدرسةِ وتعـلَّـمَ منها العـقـيـدةَ الحقَّـةَ والشَّريعةَ الرحبَـةَ والأخلاقَ الصَّافيةَ والتَّـربـيـةَ السليمةَ لوصلَ إلى طريقِ السَّعادةِ والكرامةِ، فيتحوَّلُ من إنسانٍ منهارٍ معـقَّـدٍ ضعيفِ الإرادةِ إلى إنسانٍ متميِّـزٍ بطاقةٍ روحيَّةٍ هائلةٍ وفكريَّةٍ عاليةٍ أقوى إرادةً مِـنْ غـيـرهِ وأكـثـرَ قـدرةً على صُنعِ حياةٍ مُنـتَـظمةٍ خاليةٍ مِـن الظُّـلمِ والاضطهادِ بعــيـدةٍ عَـن المشكلاتِ الأخلاقيَّـةِ والاجتماعيَّةِ والاقتصاديَّةِ والسياسيَّةِ. فـبعـدَ هـذهِ الرحلةِ المُمتِـعـةِ مع سيِّدِ شبابِ أهلِ الجنَّةِ a يجـبُ بيـانُ ما وصلَ إليهِ البحثُ مِـن نتائجَ، ولا شـكَّ في أنَّ محاولةَ رصدِ جميعِ النَّتائجِ التي كشفَ البحثُ عنها ووصلَ إليها أمـرٌ يحتاجُ إلى تحـلـيـلٍ طويـلٍ، ولذلـكَ وجـبَ الاقتصارُ على أَبـرزِ النتائجِ التي توصلْـتُ إليها، وهي: 1- مفهوم الحريَّة ليسَ ناضجًا في فهم مجتمعنا، فمن يُنادي بالحريَّةِ لا يُريدها إلَّا لنفسِه فقط، فهو يُريدُ أن يُعبِّرَ عن آرائِهِ بحريَّةٍ واطمئنانٍ، لكنَّهُ يستبدُّ برأيِهِ عندَ الحوارِ والنِّقاشِ، ويرفضُ أن يتنازلَ عن رأيهِ وإن كانَ خطأً لصالحِ الأغـلـبـيَّةِ، وكأنَّ رأيَـهُ لا يخلو من أيِّ شبهةٍ أو خطأ، فلا حرية إلا بالتحرر من الأنانية وإلا إذا آمنَ الإنسان بأنَّها حق للجميع. 2- تحكيمُ الدِّين والعقل معًا في ممارسةِ الحريَّةِ، فالحريَّةُ لها وجهانِ: الدين والعقل هما وجهانِ لشيءٍ واحدٍ، وقد خلقَ اللهُ تعالى القادر على كلِّ شيءٍ الإنسانَ حُـرًّا وأعطاهُ عقلًا يستطيعُ بهِ أن يميزَ النّافعَ من الضارِّ والحسنَ من القبيح، فالحرية ليست إطلاق العنان للشهوة والوقوع تحت سيطرتها وهي ليست التمرد على قانون الأخلاق ومنطق العلم، بل الحرية أن تفهم ما ينفعك وينفع الآخرين فتختاره بإرادةٍ واختيارٍ مطلق وذلك يتحقق بالتربية وتكوين الوعي.3- التخلُّص من حكمِ الطغاةِ والظلمةِ يبدأ بتثقيف المجتمعِ، فينبغي تعويدهم احترامَ الرَّأيَ الآخر واحترام رأيه نفسه أيضًا، فيتعـوَّدُ النَّاس الجرأة في التعبير عن أفكارهم وممارسة حريَّاتهم وفقَ ضوابطَ؛ لأنَّ التعوُّدَ على كتمِ ذلك يُشجِّعُ الحاكمَ الظَّالمَ على إشاعة الرُّعبِ في قلوب النَّاسِ، وعندما يستسلمُ النَّاسُ للتَّخويفِ والتَّرهيبِ سيلجؤونَ إلى الرِّياءِ والنِّفاقِ والتملُّقِ؛ ممَّا يؤدِّي إلى تكوينِ شخصيَّةٍ مزدوجةٍ، شخصيَّةٍ ظاهرةٍ علنيَّةِ تقول نعم للحاكمِ الظالم المستبد، وشخصية خفية مستترة يمكن أن تقول لا في أوقات خاصة.4- إنَّ استمرارَ حكم الطاغية والظالم والمستبد يقضي على مبادئ الأخلاق، وهي نتيجةٌ حتميَّةٌ لحكمٍ يُبنى على الخوفِ وبثِّ الرُّعبِ في قلوبِ النّاسِ واستعمالِ السَّيفِ أو القوَّةِ في التعاملِ معَ الخصومِ في كلِّ لحظةٍ، فمن ذا الذي يستطيعُ في مثل هذا الجوِّ الخانق أن يقولَ الصِّدقَ أو يشهدَ بالحقِّ أو يتمسَّكَ بالفضيلةِ أو يرفضَ أن يرتشي أو يأبى شهادة الزُّور؟ فكيفَ يمكنُ أن تكونَ هناك أخلاق؟ وهل يمكن أن تكونَ هناك مبادئ أخلاقيَّةٌ من دونِ فردٍ تحترمُهُ الدَّولةُ وتصونُ كرامتَهُ؟ 5- شعور الشعب بأنَّهُ منفصل عن الدَّولةِ بسببِ إجراءاتِها الظالمة التعسُّفيَّةِ يُـقَــلِّـل حبَّ الوطن عنده ويجعلهُ منعزلًا عن المصالح العليا للبلاد، ويجعله ناقمًا على كل مؤسسات الدولة؛ ممَّا يفقد المواطنَ الشعورَ بالمسؤوليَّةِ وينظر إلى كلِّ شيءٍ لهُ علاقةٌ بالدَّولةِ نظرةً سلبيَّةً وانتقاميَّةً فيتعاملُ مع جميعِ أفرادِ الدَّولةِ على أنَّهم أعداءُ وينظر إلى كلِّ أموالِ الدَّولةِ وإن كانَ فيها خدمةٌ عامَّةٌ على أنَّها مغتصبةٌ يحلُّ له أن يأخذَ منها متى ما سنحت الفرصة أو يعبثُ بها لأنَّها ملك الحاكمِ المستبد أو الحكومةِ المستبدَّة.6- ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لولا نهضة الإمام الحسينِ a لأصبحَ الدينُ كلُّهُ أمويًّا وبذلك تتلاشى جميع معالم الإسلام، فنهضةُ الإمام كانت الحجرَ الأساسَ لسقوطِ دولةِ بني أميَّة، فلولا نهضةُ الإمام الحسين وتأكيدَهَ منصب الإمامة الذي كادَ ان يندثر في وعي الأمة بسبب الاضطهاد والتخلف الفكري والثقافي الذي ساد حكم بني أميَّة، وأنَّهُ هو المنصبُ الوحيدُ القادرُ على إنقاذ هذه الأمَّةِ وإصلاحِ شؤونها.