الدَّليل العقلي عند الشيعة الإمامية دراسة أصولية

Abstract

إنَّ علم أصول الفقه حاله حال باقي العلوم والمعارف تكوّن عبر الزمن، وتأثّر بالواقع ومعطياته، كَمَا تأثّر بالاعتبارات الشرعية ومتطلباتها، فعلم أصول الفقه وإنْ كَانَ في بداية نشوئه وتكوّنه وليد حاجة الفقه لقواعد استنباط الأحكام، باعتبار أنَّ علم الأصول حاجة للاجتهاد، فإنّ الأصول يُعدّ منهج للبحث فِي علم الفقه، فنلاحظ أنَّ علم الأصول لم يوجد في شكل تلقائي، وفي شكل جاهز مع تكوين علم الفقه، وهذا هو شأن كل منهج من مناهج المعرفة البشرية بالنسبة لجميع الحقول المعرفية، إذ لا يوجد في كل علم من العلوم منهج موضوع مسبقاً، فيتولّد العلم من هذا المنهج في مجال المعرفة الإنسانية، إلا أنّه بَعْدَ ذَلِكَ لم يكن بعيداً عَنْ علوم أُخرى كَانَ لها دور في بنائه وتكوّنه كَمَا في علم الكلام، واللغة العربية.وعلى أيّ حال فعلم أصول الفقه لَمْ يكن وليد لحظة تأريخية، وَإنَّما تكوّنت مسائله عبر عِدَّة قرون، وشهدت مباحثه تطوّرات مختلفة، كَانَ لعوامل مختلفة تأثير فعّال في هَذَا الجانب، وَقَدْ ساهم في إرساء قواعده علماء الفرق والمذاهب الإسّلاميَّة جميعاً.ومِنْ أهم ما يعنى به علم الأصول دراسة المصادر التي تصلح للكشف عن واقع التشريع الاسلامي حكماً، أو وظيفة، والتماس ادلة اعتبارها من شارع أو عقل.واستقراء هذه المصادر على اختلافها في هذا العلم يكشف عن مدى تنوعها في وسائل التعبير عن ذلك الواقع.فبعضها يعتمد الكلمة المعبرة كالكتاب العزيز، والسنة الكريمة، وبعضها يعتمد الطرق العقلية كالادلة المشخّصة للوظائف التي يعينها العقل عند انعدام الدليل الكاشف، وثالث يعتمد سيرة المتشرعة، أو بناء العقلاء، أو العرف وهكذا.وبحكم هذا الاختلاف في وسائل الكشف والأداء اختلفت الركائز التي يجب اعتمادها لدى محاولة استكشاف ذلك الواقع من هذه الاصول، الأمر الذي بعث الاصوليين على إعداد دراسات لمواضيع تمس أو تلابس تلك الوسائل على اختلافها لتعين على تأدية وظائفها كاملة في مجالات الكشف.وفي هذا البحث سوف تسلّط الاضواء على احد الادلة التي كثر الجدل حول تمامية دليليته وعدمها، وهو الدليل العقلي، والحديث في هذا الموضوع يقع في تمهيد، وثلاثة مطالب