نواقص تشريعية في احكام الحوالة التجاريةفي قانون التجارة العراقي- دراسة مقارنة -

Abstract

من المسلم به اليوم لدى الفقه والتشريع أن هنالك نقصا فطريا في التشريع تتعدد أسبابه الفنية والعملية .وقد احتاج المحدثون من القانونيين إلى زهاء قرن من الزمان لإقرار هذه الحقيقة بعدما كانوا يعتقدون في مطلع القرن التاسع عشر أن التقنين المدني الفرنسي كان جامعا مانعا كاملا حتى انشأوا في تفسيره مذهبا خاصا اشتهر باسم مذهب " الشرح على المتون "Ecole de l exegese". وذاعت فكرة كمال التقنين أو كفايته الذاتية وبنوا على ذلك القاعدة المشهورة "يلتمس الحكم في النص ، ولا يلتمس إلا في النص" واستخدموا كافة أدوات الاستدلال اللغوي والمنطقي لتخريج الأحكام من تلك النصوص رغم انقطاع السبب وانتفاء النسب .
إلا أن تطور الحياة أشعرت الفقهاء بان التوسع في الاستدلال يستعصي على النقص في التشريع .فبدأت فكرة النقص تدب من الفقه إلى التشريع وتسري في القوانين المدنية والتجارية في كل دول العالم .
وهذه الحقيقة عدتها الشريعة الإسلامية من أوليات الأصول استنادا للمحاورة الجليلة المعروفة التي جرت بين رسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) والصحابي معاذ بن جبل (رضي الله عنه).
ولا خلاف في أن التشريع الوضعي هو ثمرة لتفكير عقلي تتحكم فيه ظروف مختلفة ويبقى الإنسان قاصرا على أن يصل لدرجة الكمال خاصة إذا ما تناول التشريع جزئيات الأحكام وليس عمومياتها وأصولها العامة(1) .
وبعد إقرارنا بهذه المسلمة الطبيعية نستنتج أن أحكام الحوالة التجارية(2) الواردة في قانون التجارة العراقي رقم (30) لسنة 1984 لا تسلم من النقص المذكور .
وعلى الرغم من أن هذه الأحكام استقاها الشارع العراقي من أحكام الاتفاقية الدولية للحوالة التجارية والسند للأمر لسنة 1930 المعروفة بقانون جنيف الموحد باعتبارها أحكاما عالمية ساير بها دول العالم الأخرى ، وعلى الرغم من أن هذا القانون هو القانون الثالث الذي يصدر في العراق حول هذا الموضوع ابتداء من قانون التجارة رقم (60) لسنة 1943(الملغى) ومن ثم قانون التجارة رقم (149) لسنة 1970(الملغى) وانتهاء بالقانون النافذ إلا أن هذه القوانين لم تخل من العديد من النواقص التي يرجع بعضها إلى نقص في أصل النص الدولي الوارد في القانون الموحد وبالتالي تشترك في هذا النص أن اغلب- إن لم يكن كل- تشريعات العالم التي نقلت النصوص الدولية إلى تشريعاتها الداخلية
ويرجع البعض الأخر من النواقص إلى اختلاف طبيعة المجتمع الغربي الذي أقرت فيه الاتفاقية الدولية مع طبيعة المجتمع العربي أو العراقي بشكل خاص (كما سنبين مثلا في حالة عدم اشتراط ذكر اسم الساحب أو المظهر أو الموقعين الآخرين).
وإذا كنا عند دراسة النصوص المذكورة قد شخصنا كثيرا من النواقص والهفوات التشريعية فانه - بسبب توارد الخواطر - قد وجدنا ملاحظات مشابهة لدى شراح آخرون لهم قصب السبق في الإشارة إليها .
وقد اقتضت طبيعة البحث تقسيمه إلى خمسة مباحث نتتابع في استعراض النواقص التشريعية وفق تسلسل مواضيعها الواردة في القوانين المنظمة لأحكام الحوالة التجارية فنبدأ بالأحكام الموضوعية لإنشائها من رضا ومحل وسبب ثم الأركان الشكلية فالتظهير فالوفاء وأخيرا ما يتعلق من نواقص بالتقادم كل في مبحث مستقل .
وسنقارن تفاصيل الأحكام موضوع البحث مع ما تيسر بين أيدينا من نصوص القوانين التجارية العربية (المبينة في ثبت المصادر) التي وقعت في نفس الأشكال بسبب وحدة المصدر ( وهو الاتفاقية الدولية ) عدا قلة منها تداركت الأمر فأجرت تعديلا على النص الأصلي للاتفاقية .