رفع الحرج في مفهومه الفقهي

Abstract

- تعريف رفع الحرج وإنها كلمة مركبة تركيباً إضافيا وتتوقف معرفتها على معرفة لفظها ، وان الرفع يعد نقيض الخفض في كل شيء ، وان الأصل في مادة الرفع هو العلو ، ويأتي بمعنى الإزالة فرفع الشيء إزالته عن موضعه .
وأما الحرج فهو يعني لغوياً المكان الضيق الكثير الشجر ، وقد يقع على الإثم والحرام ، وهو بكلمتيه ( رفع الحرج ) يعني : إزالة الضيق ونفيه عن موضعه وهو لا يأتي إلا بعد الشدة والضيق ويطلق عليه الفقهاء والأصوليون أحيانا بنفي الحرج .
2- رفع الحرج هو واحدٌ من مقاصد الشريعة الغراء ، بل هو أصل من أصولها وذلك لان الشارع الحكيم لم يكن يقصد بعباده إلى التكليف الشاق والاعنات فيه . وان الشريعة موضوعة على مقصد الرفق والتيسير ، ولو كان الشارع الحكيم يقصد المشقة في التكليف لما كان هناك ترخيص ولا تخفيف
3- يتنوع الحرج إلى :
أ- حقيقي : وهو ما يكون له سبب معينٌ واقعٌ ، أو هو ما تتحقق بوجوده مشقة خارجة عن المعتاد مثل حرج السفر والمرض ، وهو المعتبر بالرفع والتخفيف ، وذلك لان الأحكام لا تبنى على الأوهام ، وانه يتفرع من حيث تحققه إلى :
الحرج الحالي : وهو الذي تكون مشقته متحققة في الحال مثل الشروع في عبادة شاقة في نفسها ، ومثل الحرج الحاصل للمريض باستعمال الماء ، ومثل الحرج الحاصل لغير المستطيع على الحج أو رمي الجمار بنفسه .
الحرج المآلي : وهو الذي يلحق المكلف بسبب الدوام على فعل لا حرج منه .
ب- توهمي : وهو الذي لم يوجد السبب المرخص لاجله ، ولم تكن مشقة خارجة عن المعتاد على وجه محقق .
4- من الممكن أن يقسم الحرج إلى :
أ- بدني : وهو ما كان أثره واقعاً على البدن مثل وضوء المريض الذي يضره الماء ، وصوم المريض ، وكبير السن ، وترك المضطر أكل الميتة .
ب- نفسي : وهو ما كان أثره واقعاً على النفس ، مثل الالم والضيق الحاصل بسبب المعصية أو الذنب الذي يصدر منه .
5- ليس كل حرج مرفوعاً بل لا بد من شروط يجب تحققها حتى تكون معتبرة في رفع الحرج وهي :
أ- أن يكون الحرج حقيقياً : أي أن يكون له سبب معين واقع مثل المرض والسفر ، أو ما يكون قد تحقق بوجوده مشقة خارجة عن المعتاد .
ب- أن لا يكون الحرج معارضا نصاً : لان المشقة والحرج إنما يعتبران في موضع لا نص فيه .
ج- أن يكون الحرج عاماً : وهو الذي لا قدرة للإنسان على الانفكاك عنه فإذا كان في نازلة عامة في الناس فانه يسقط .
6- هناك أسباب مؤدية إلى رفع الحرج وهي : السفر ، المرض ، الإكراه ، النسيان ، الجهل ، العسر ، عموم البلوى ، والنقص .
7- لابد من معرفة الكيفية التي يرفع بها الحرج وهي :
أولاً- رفع الحرج ابتداءاً : فهناك الكثير من الأحكام والتشريعات التي جاءت ابتداءاً لرفع الحرج والمشقة عن الناس ولولاها لوقع الناس فيهما ، فمنها مشروعية الخيار ، ومنها : الرد بالعيب والحوالة والرهن والضمان والصلح والشركة وغير ذلك ، ومنها : لزوم العقود اللازمة ومنها : مشروعية الطلاق ، وكذا مشروعية الخلع والافتداء والرجعية في العدة قبل الثلاث .
ثانياً- رفع الحرج عندما يتحقق وجوده : فقد يكون الحرج والمشقة عن أسباب خارجية ، لان نفس التكليف لا توجد فيه المشقة والحرج وإنما فيه كلفة أي مشقة معتادة ، وإنما يأتي الحرج بسبب اقتران التكيف بأمور أخرى مثل السفر والمرض .
وللشارع الحكيم أنواع من التخفيفات المتعددة تناسب تلك المشاق .
8- إذا حصل التعارض لرفع الحرج مع النص ، فهو أما أن يكون قطعياً أو ظنياً والظني أما أن يشهد له أصل قطعي أولا ، علما بأن الفقهاء متفقون على عدم اعتبار الحرج المعارض للنص القطعي وكذا النص الراجع إلى أصل قطعي فيجب حينئذ الأخذ بالنص وترك الحرج . وكذا الظن عند جمهور الحنفية مع خلاف عند الفقهاء .
9- لما كان رفع الحرج مقصداً من مقاصد الشريعة ، واصلا من أصولها المهمة فقد ظهر بادياً في كثير من الأدلة الأصولية والقواعد الأصولية .
فمن الأدلة الأصولية التي روعي فيها رفع الحرج : المصالح المرسلة ، وكذا الاستحسان .
ومن القواعد الفقهية في ذلك قاعدة : المشقة تجلب التيسير وإذا ضاق الأمر اتسع ، والضرر يزال ، والضرورات تبيح المحظورات والحاجة تنزل منزلة الضرورة ، وكل ذلك من سعة الإسلام .





{ المقدمــــــة }
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد :
فان الشريعة الإسلامية جاءت لرفع المشقة عن بني البشر وإنها رسمت طريق السعادة لهم في الدارين ، وقد قدر لها الخلود ، حيث راعت مصالح الناس ، وبنت أحكامها على اليسر ومن أحكام هذه الشريعة ( رفع الحرج ) .
فأحببت أن اكتب في هذا الموضوع موضحا مفهومه الفقهي في إطار هذه الشريعة فجعلته بعنوان: {{ رفع الحرج في مفهومه الفقهي }}
وقسمته إلى ... ( مقدمة وستة مباحث وخاتمة )
المبحث الأول : تعريف رفع الحرج وانه احد مقاصد الشريعة .
المبحث الثاني : أنواع الحرج .
المبحث الثالث : شروط الحرج المرفوع وأسبابه .
المبحث الرابع : الكيفية في رفع الحرج .
المبحث الخامس : رفع الحرج وتعارضه مع النص .
المبحث السادس : قواعد الأدلة الأصولية والقواعد الفقهية التي روعي فيها رفع الحرج
والخاتمة .
اسأل الله تعالى التوفيق والسداد في هذا البحث .
المبحث الأول