الذهب في التراث العربي والإسلامي

Abstract

عرف العرب والمسلمون عبر تأريخهم الطويل عدداً من المعادن وتعاملوا بها، وكان لهم السبق في استخراجها وتصنيعها ... ومنها الذهب والفضة والحديد والنحاس والبرونز والرصاص والفولاذ وغيرها ... حيث استعملوا الذهب والفضة والنحاس في عملاتهم وفي بيعهم وشرائهم وغالب أموالهم، وكذلك استعملوها في حليّهم وزينتهم ... والحضارة العربية الإسلامية استأثرت بمعادن الذهب والفضة في وقت من الأوقات بعد حصولها على ذهب الجزيرة العربية، واليمن، وشمال أفريقيا والسودان وذهب النوبة(1) في صعيد مصر، في عصر الفتوحات الإسلامية. كما عرفوا معدن الحديد واستخدموه في عدد من صناعاتهم الحربية وغيرها، وكان لهم السبق في تلك الصناعات كما سجله بعض المؤرخين من العرب أمثال الكندي في رسالة السيوف، وكتاب الجماهر في معرفة الجواهر للبيروني ، وشرح العلامة الجلدكي الكيميائي المصري السوري الذي عاش أثناء حكم السلطان قلاوون، لكتاب الحديد لجابر بن حيان، وكتب التأريخ والحسبة والجغرافيا والرحلات وغيرها. وبما أن الذهب واحد من تلك المعادن المهمة التي دخلت في صناعات واستخدامات كثيرة ومهمة فقد ترك العرب بصماتهم واضحة جليّة في هذا المجال، ولعل هذا البحث يوضح هذه الحقيقة التاريخية
إن تراث هذه الأمة العربية والإسلامية عميق، وقد أوغلت فيه برفق، فتناولت جانباً يسيراً من تراث العرب والمسلمين، وهذا الجانب ما هو إلا قطرة من فيض، لكني حاولت بتوفيق الله أن أسلط الضوء على جانب يسير من هذا التراث الضخم، لأنني مهما تحدثت عن تراثنا فلا يمكن أن أعطي هذا التراث حقه الكامل، فهو تراث يستحق كل التقدير والإطراء. وقد تجنبت جاهداً الإطالة وعدم الولوج في المسائل الفقهية والشرعية البحتة التي تتعلق بالمعادن بشكل عام فيما يخص خمس المعادن الذي يدخل في باب الزكاة(زكاة المعادن و الركاز)، والضوابط الشرعية لحدود الزينة في الإسلام، قدر الإمكان ليس عجزاً، لأن البحث سوف يخرج من مساره التاريخي والعلمي، فقط أردت أن أُلفت نظر القارئ الكريم إلى جانب مشرق من تراث أمته الخالد، ذلك التراث الذي تناول كل جوانب الحياة وبكل تفاصيلها الدقيقة، ذلك التراث الذي ترك بصماته في كل حضارات العالم المعاصرة له تقريباً، وحري بنا أن نفتخر بهذا التراث وأن نفاخر العالم بالعقلية العربية التي لم تقصر عن طرق كل مجالات الحياة ، فنحن كنا ونكون وسنبقى أسياد العالم ولا عجب، ومهما حاول الآخرون التقليل من دور العرب والمسلمين في بناء الحضارة البشرية فهم واهمون، فالتأريخ يثبت عكس ذلك، وهذا البحث يمثل جانباً مهماً وصفحة مشرقة من صفحات تراثنا العريق .
لقد وقع بعض الباحثين من العرب وغيرهم في وهم يخص مهنة التعدين عن الذهب والفضة والمعادن الثمينة عند العرب، حيث اعتقدوا أن العبيد هم الذين يعملون في صناعة المعادن، وهذا الرأي مبني على ما ورد في بعض الكتب القديمة من وصف العاملين بتلك المعادن بأنهم (قيون) جمع قيّن(2)، وهذه الكلمة كما تطلق على الموالي الذين يعملون في صناعة المعادن، كما تطلق أيضاً على العرب الذين يعملون معهم، وقد أطلقت على كثير من فروع القبائل العربية بسبب امتهانها للصناعة.
وعليه فإن القول بأن من يستخرج المعادن من الذهب وغيره في العهود القديمة كانوا من الموالي (العبيد) حصراً ليس صحيحاً على إطلاقه، فهناك أناس من العرب صريحي النسب كانوا يشتغلون في التعدين، وبخاصة في تعدين الذهب، هذا من حيث العموم، وهذا لا ينفي أن كثيراً من المعادن في بلاد العرب كان الذين يعملون فيها إما من الموالى أو من الفرس أو اليهود. وفي كل الحالات فإن موارد التعدين تسمى ركاز في الإسلام وعليها الخمس، وهو مما يندرج في باب زكاة المعدن التي تدفع للأصناف الثمانية المستحقين للصدقات كما جاء في الآية:(60) من سورة التوبة، وهي مورد من موارد بيت مال المسلمين. وهذا من جملة الأسباب التي دعتني للبحث في هذا الرافد المالي المهم الذي كان يشكل دعامة من دعامات الاقتصاد العربي والإسلامي في عهود الخلافة.
كان للعرب باع طويل في هذه المهنة التي نجحوا فيها وأتقنوها وإلا لما استطاعوا أن يعرّبوا العملة الفارسية والرومية إلى العملة العربية الإسلامية في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ــ رحمه الله ــ سنة 77 للهجرة ، عندما دعت الضرورة الدينية والاقتصادية والتراثية إلى ذلك.
إن تراث هذه الأمة عريق منتهى العراقة، موغل في القدم، له الفضل الكبير على تراث الأمم التي جاورت العرب، فمثلها كمثل من يجالس بائع المسك، فهو إما أن يعطيه من هذا المسك، وإما أن يشم منه ريحاً طيّبة.
أرجو أن يلقى جهدي هذا قبولاً يزداد به العرب والمسلمون ارتباطاً بماضيهم الخالد، ويلتمسوا فيه عوناً على مستقبلهم الزاهر، وإني لأؤمن أصدق الإيمان أن جذورنا المتأصلة في تراث أجدادنا وثيقة الصلة بوعينا الإسلامي الحديث، ولكن الانتفاع بتقليب النظر في الماضي لا بد أن يؤيد بالسعي الجاد في الحاضر.