شعر التحريض السياسي في العصر العباسي الأول

Abstract

واكب الشعر العربي الحياة العربية منذ بدايتها، لما للشعر من أهمية في نفس العربي(1)، فانه كان يتأثر ويؤثر في مجريات الأحداث، بل كان خالقا ومكونا لبعضها وسببا مباشرا لتلك الأحداث ، ونجد في المضان القديمة ما يغني عن التفصيل في ذلك الشعر الذي تسبب بإشعال الحروب وكذلك إطفائها ، أو قتل إنسان أو العفو عنه ، أو صلح وغيرها من الموضوعات الحياتية التي تسرب الشعر إلى مفاصلها . والقارئ لأيام العرب يجد حضور الشعر في تلك الأيام وما آلت إليه من صراع ومعارك(2). ناهيك عن الصور الأخرى للحياة اليومية التي لعب الشعر دوراً بارزاَ فيها ,فقد اهتم النقاد بالشعر لمكانته وأهميته ، فالعربي يحفل بالشعر ويهتم به سواء بالإنشاد أم بالتذوق والحفظ ، لما له من مكانة في نفوسهم(3). والمتتبع لمسيرة الشعر العربي يجد أن كل دقيقة من دقائق الحياة كان للشعر نصيب فيها ، حتى عدَّ أحد الباحثين ذلك الحضور ولا سيما في الصراع القبلي جزء من الشعر السياسي(4). وفي عصر الرسالة المحمدية أصبح الشعر أداة في المعارك التي خاضها المسلمون ضد المشركين . فالشاعر المسلم يدافع عن حياض الدين ويذود عنه والمشرك يدافع عن أصنامه ومعتقداته . فاصبح الشعر من الأسلحة التي تنبه لها الرسول الكريم() مما دعاه إلى أن يشجع الشعراء ويدعو لهم بالنصر .
واستفاد المجتمع ـ ولاسيما الحكام والولاة ـ من الشعر ، حين جعلوا من الشعر أداة للتحريض وكسب المغانم واستدرار العطف والنيل من الخصوم ، لذلك نجد الأبيات هي المحرك لبعض الأمور والمثيرة للمشاكل والداعية للقتل . وأخذ الباحثون هذا الباب وأشبعوه بحثاً ودراسة ومنه ظهر شعر الصراع السياسي الذي ازدهر في العصر الأموي ، وإن كانت بداياته تمتد إلى مراحل زمنية أقدم من هذا العصر . فحضور الشعر كان في كل مناسبة وفي كل معركة وخصام،وتوزع الشعراء بين التيارات والأحزاب ( إن صح القول ) ، ولم يقتصر الصراع بالسيف وحده ، وإنما شاركه الشعر فكان ( لكل حزب شعراؤه وخطباؤه المدافعون عنه ، الناطقون بلسانه ...لذلك حرص كل حزب على أن يستكثر من هؤلاء الشعراء والخطباء ليقوي بهم تنظيم هذا الحزب أو ذاك)(5). فكل واحد من الشعراء يذود بلسانه وشعره عن فكره وعقيدته ، ويدافع عمّا آمن به ، ونتج لنا شعراء ينتسبون إلى هذه الفئة أو ذلك
الحزب ؛ فهناك الشعراء العلويون ، والشعراء الزبيريون، والأمويون، والخوارج ، ولم نكد نصل الى بداية العصر العباسي وما صاحبه من أحداث جسام ؛ حتى بانت مكانة الشعر واصبح له الكعب المعلى والحضور المتميز في الدعوة للنيل من الأمويين ، وتحريض الناس عليهم من الشعراء الناقمين، فهناك من نافق الولاة الجدد من بني العباس محاولاً كسب ودهم ، وأيضاً من نقم من الولاة الجدد محرضاً العامة عليهم بسبب المظالم التي وقعت عليهم جراء البطش والانتقام من الحكام الجدد .
والتحريض في شعر العصر العباسي الأول ـ ولاسيما في بداية نشوء الدولة ـ والسياسي منه بخاصة واضح للعيان بارز المعالم، بسبب التحول السياسي الذي حدث ولاختلاف الولاءات التي تحكم المجتمع ومنهم الشعراء،ويستطيع الباحث أن يتلمس معالم هذا التحريض ، لذلك أردت أن أبيّن ما ذهب إليه الشعراء من وجهة أبعدت بعضهم عن إنسانيته حين أصبح أداة للقتل وداعية للانتقام ، محاولاً إبراز بعض معالم التحريض بأشعار لشعراء واكبوا المرحلة وكانت أصواتهم تصدح بها .