سلاح الهندسة(الفَعَلَة) وأثره في حرب الدولة العباسية ضد تمرد الزنج

Abstract

من المعلوم أن ساحة عمليات واسعة وارضٍ ذات طبوغرافية مختلفة ومتغيرة فيها الاهوار والقنوات والأنهار والجداول والمستنقعات،تتطلب بلا شك إمكانات واسعة ،فضلا عن وسائل متعددةتصلح لكل الظروف ، فكان لا بد من ضمان أوجه مختلفة من التموين وأساليب نفسية في الحرب ، ومعرفة ودراية تامة بتلك المناطق وتشعباتها فضلا عما تحتاجه تلك المناطق وعملياتها العسكرية من جهد جبار يقوم به سلاح الفعلة (المهندسين ) ليقدم خدماته للجيش الزاحف من إقامة القناطر والجسور ومعالجة الأسوار والتحصينات وغيرها مما تحتاجه صفحات هذه المنازلة.
كانت الحاجة ملحة لسلاح الهندسة (الفعلة ) في معارك الجيش العباسي ضد حركة الزنج(*) ، وعلى وفق الوصف الآنف الذكر لساحة العمليات ، لكن الحاجة تزايدت وأضحت ضرورة في أن يرافق الفعلة كل تشكيل من تشكيلات الجيش الزاحف إبان المنازلة الكبرى في ملاحم تحرير المختارة (عاصمة الزنج) الواقعة على ضفتي نهر أبي الخصيب التي دامت معاركها ثلاثة سنوات ، فهي المعقل الأخير للزنج ، منيعةً بل هي حصن بكل معنى الكلمة لما يحيطها من جهاتها الأنهار والأسوار والخنادق فضلا عن القنوات والقناطر والجسور التي بداخلها(**) ، الأمر الذي دفع قيادة الجيش العباسي إلى التمهل في اقتحامها إلى حين استكمال كل المؤهلات التي تتيح له ذلك ، فبدأت الهمم لاستكمال بناء سلاح الفعلة (الهندسة ) الذي تم إعداده أساساً لهدم الأسوار والتحصينات الأخرى ، وإقامة الجسور والقناطر وإزالة العوائق فضلا عن براعته في استخدام العقاقير والزيوت والنفط والتلغيم كما سنرى.
على إننا هنا لا بد من الذكر والتنويه إلى أن الطبري في تاريخه الشهير هو المصدر الرئيس إن لم يكن الوحيد في هذه المعلومات التفصيلية المذهلة عن حركة الزنج وحرب الدولة ضدها ، وكل المؤرخين من بعده هم عيالٌ عليه في ذلك ، فهو معاصر للحدث قريب من الدولة ووثائقها قريبٌ من صنّاع الحدث وأبطاله ، استقى معلوماته من مصدرين مهمين هما محمد بن حماد قاضي البصرة الذي رافق الأمير الموفق طلحة القائد العام للجيش العباسي وولي العهد الثاني للخليفة المعتمد على الله ولازمه في حلّه وترحاله ولا سيما خلال حرب الزنج ، أما الآخر فهو محمد بن الحسن (شيلمة) صاحب كتاب (أخبار صاحب الزنج) فهو من اتباع صاحب الزنج ومن مقربيه ، إلا انه هرب واستأمن إلى الأمير الموفق.
وبعد.. فهذا هو الجهد الثاني(***) في سلسلة بحوث يعكف الباحث على إعدادها عن تنظيمات الجيش العباسي إبان حرب الزنج التي دامت ( أربع عشرة سنة واربعة اشهر وستة أيام ) تحت ظـل قيـادة الأميـر الموفـق بالله الظافرة ، لأقدمه الى روح أخي المقدم عامر حسن رحمه الله ورحم كل الأرواح التي قاتلت من اجل العراق وعروبيته واسلاميته في ماضيه وحاضره 0

_______________________________________