الفرقُ التقديريُّ (دراسة صرفية)

Abstract

الملخص الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على محمدٍ رسولِ اللهِ وعلى آلهِ وصحبهِ ومن والاهُ وبعدُ : فإن علماءَ العربيةِ قديماً وحديثاً اهتموا أيما اهتمامٍ ببيانِ الأبنيةِ وأوزانها سواءٌ كانت أبنيةَ أفعالٍ أم أبنيةَ أسماء ، لما لمعرفةِ الفروقِ بينَ الأبنيةِ من أهميةٍ في إدراكِ الفرقِ في المعنى الذي يعطيهِ هذا البناءُ أو ذاكَ. والفرقُ بينَ الأبنيةِ يُدرَكُ من خلالِ الفرقِ اللفظيِّ بينها ، غيرَ أني وجدتُ أنهُ قد يتشابهُ البناءانِ في اللفظِ ويبقى الفرقُ بينَهما تقديرياً ، وهذا التقديرُ يُعرفُ من خلالِ الرجوعِ إلى أصلِ بناءِ الكلمةِ ووزنها ، وغالباً ما يكونُ ذلكَ في كلمةٍ فيها إعلالٌ ، فتُطابقُ في لفظِها كلمةً أخرى لا إعلالَ فيها. ولأنَّ هذهِ القضيةَ جديرةٌ بالدراسةِ أردتُ أن أجمعَ أبرزَ ما وجدتُ فيهِ هذا الفرقَ من أبنيةٍ لأعرضهُ بينَ أيدي الدارسينَ من خلالِ هذا البحثِ ، إذ إن هذهِ القضيةَ جديرةٌ بأن يطلعَ عليها الدارسونَ لِما تنطوي عليهِ من بيانِ دقةِ ألفاظِ العربيةِ وأنَّ بعضها وإن كانَ متشابهاً في اللفظِ إلا أنَّ الفرقَ التقديريَّ معتبرٌ فيهِ. وقد قسمتُ المباحثَ على شكلِ أبنيةٍ ، تكلمتُ في كلِّ بناءٍ على ما يقعُ فيهِ من كلماتٍ مشتَركةٍ في اللفظِ مختَلِفةٍ في المعنى. وتبينَ من خلالِ هذا البحثِ أنَّ العربيةَ ضمت كلماتٍ تشابهت لفظاً ورسماً ولم يبقَ بينها إلا الفرقُ التقديريُّ ، وهذا الفرقُ وإن كانَ موجوداً في أصلِ الكلمةِ ـ قبلَ أن يطرأَ عليها التغييرُ الذي يجعلُ الكلمةَ منسجمةً معَ النظامِ المقطعيِّ الذي عليهِ اللغةُ ـ فهوَ موجودٌ في ذهنِ المتكلمِ للُّغةِ العربيةِ ، وقد وضَّحَ البحثُ أبرزَ الكلماتِ التي ظهَرَ فيها ذلكَ الفرقُ ، خاصةً تلكَ الكلماتِ التي فيها إعلالٌ يؤدي التعاملُ معهُ إلى جعلِ الكلمةِ تشبِهُ غيرَها لفظاً ورسماً ، فلا يبقى بينهما إلا التقديرُ يَبِيْنُ من خلالهِ الفرقُ. ومن الجديرِ بالذكرِ أنَّ أولَ من استخدَمَ مصطلحَ (الفرقِ التقديريِّ) هوَ أحمدُ ابنُ عليٍّ بنِ مسعودٍ (ت في حدود 700هـ) في متنهِ الصرفي المعروفُ بـ (مَراح الأرواح) ، وتابعهُ في استخدامهِ شارحو المراح. أما المتقدمونَ من علماءِ اللغةِ فلم تردْ هذهِ القضيةُ في مؤلفاتهم إلا على شكلِ إشاراتٍ عندَ ابنِ جني (ت 292هـ) وأبي البقاءِ العكبري ( ت 616هـ). فقمتُ في هذا البحثِ بجمعِ ما وردَ من إشاراتٍ في هذهِ القضيةِ. وقد بيَّنَ البحثُ تعليلَ القُدامَى لسببِ حدوثِ التشابهِ اللفظيِ بينَ تلكَ الكلماتِ معَ ذكر وِجهَةِ نظرِ الدرسِ الصرفيِّ الحديثِ في ذلكَ. وأسألُ اللهَ العلي القديرَ أن يكونَ في هذا العملِ خدمةٌ لهذهِ اللغةِ الجليلةِ ، وآخرُ دَعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ، والصلاةُ والسلامُ على محمدٍ سيدِ المرسلينَ.